. ذكره القاضي. فإن كانوا بحيث لا تصل سهام بعضهم بعضا فاللوث على طائفة القتيل. وهذا قول الشافعي. وروي عن أحمد: أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان إلا أن يدعوا على واحد بعينه. وهذا قول مالك. وقال ابن أبي ليلى: على الفريقين جميعا، لأنه يحتمل أنه مات من فعل أصحابه فاستوى الجميع فيه. وقد قدمنا عن ابن حجر أن هذا قول الجمهور.
الخامس: أن يشهد بالقتل عبيد ونساء. فعن أحمد هو لوث لأنه يغلب على الظن صدق المدعي. وعنه ليس بلوث، لأنها شهادة مردودة فلم يكن لها أثر.
فأما القتيل الذي يوجد في الزحام كالذي يموت من الزحام يوم الجمعة أو عند الجمرة فظاهر كلام أحمد أن ذلك ليس بلوث، فإنه قال فيمن مات بالزحام يوم الجمعة: ديته في بيت المال. وهذا قول إسحاق، وروي عن عمر وعلي، فإن سعيدا روى في سننه عن إبراهيم قال: قتل رجل في زحام الناس بعرفة. فجاء أهله إلى عمر فقال بينتكم على من قتله؟ فقال علي: يا أمير المؤمنين، لا يطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله، وإلا فأعطهم ديته من بيت المال. انتهى من المغني.
وقد قال ابن حجر في الفتح (في باب إذا مات في الزحام أو قتل) في الكلام على قتل المسلمين يوم أحد اليمان والد حذيفة رضي الله عنهما ما نصه: وحجته (يعني إعطاء ديته من بيت المال) ما ورد في بعض طرق قصة حذيفة، وهو ما أخرجه أبو العباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة: أن والد حذيفة قتل يوم أحد بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات مع إرساله. وقد تقدم له شاهد مرسل أيضا (في باب العفو عن الخطأ) وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور: أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات فوداه علي من بيت المال.
وفي المسألة مذاهب أخرى (منها) قول الحسن البصري: أن ديته تجب على جميع من حضر، وهو أخص من الذي قبله. وتوجيهه: أنه مات بفعلهم فلا يتعداهم إلى غيرهم. (ومنها) قول الشافعي ومن تبعه: أنه يقال لوليه ادع على من شئت واحلف. فإن حلفت استحققت الدية، وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة. وتوجيهه: أن الدم لا يجب إلا بالطلب.
(ومنها) قول مالك: دمه هدر. وتوجيهه: أنه إذا لم يعلم قائله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد. وقد تقدمت الإشارة إلى الراجح من هذه المذاهب (في باب العفو عن الخطأ) انتهى