أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ١٢٤
خلاف معروف عند المالكية. وظاهر المدونة الانتظار ولو بعدت غيبته.
وقال بعض علماء المالكية منهم سحنون: لا ينتظر بعيد الغيبة. وعليه درج خليل بن إسحاق في مختصره في مذهب مالك، الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى بقوله: (وانتظر غائب لم تبعد غيبته. لا مطبق وصغير لم يتوقف الثبوت عليه).
وقال ابن قدامة في (المغني) ما نصه: والدليل على أن للصغير والمجنون فيه حقا أربعة أمور: أحدها أنه لو كان منفردا لاستحقه. ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفردا كولاية النكاح. والثاني أنه لو بلغ لاستحق. ولو لم يكن مستحقا عند الموت لم يكن مستحقا بعده. كالرقيق إذا عتق بعد موت أبيه. والثالث أنه لو صار الأمر إلى المال لاستحق، ولو لم يكن مستحقا للقصاص لما استحق بدله كالأجنبي. والرابع أنه لو مات الصغير لاستحقه ورثته، ولو لم يكن حقا لم يرثه كسائر ما لم يستحقه.
واحتج من قال: إنه لا يلزم انتظار بلوغ الصبي ولا إفاقة المجنون المطبق بأمرين:
أحدهما أن القصاص حق من حقوق القاصر، إلا أنه لما كان عاجزا عن النظر لنفسه كان غيره يتولى النظر في ذلك كسائر حقوقه فإن النظر فيها لغيره، ولا ينتظر بلوغه في جميع التصرف بالمصلحة في جميع حقوقه. وأولى من ينوب عنه في القصاص الورثة المشاركون له فيه. وهذا لا يرد عليه شيء من الأمور الأربعة التي ذكرها صاحب المغني. لأنه يقال فيه بموجبها فيقال فيه: هو مستحق لكنه قاصر في الحال، فيعمل غيره بالمصلحة في حقه في القصاص كسائر حقوقه. ولا سيما شريكه الذي يتضرر بتعطيل حقه في القصاص إلى زمن بعيد.
الأمر الثاني أن الحسن بن علي رضي الله عنه قتل عبد الرحمن بن ملجم المرادي قصاصا بقتله عليا رضي الله عنه، وبعض أولاد علي إذ ذاك صغار، ولم ينتظر بقتله بلوغهم، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة ولا غيرهم. وقد فعل ذلك بأمر علي رضي الله عنه كما هو مشهور في كتب التاريخ. ولو كان انتظار بلوغ الصغير واجبا لانتظره.
وأجيب عن هذا من قبل المخالفين بجوابين: أحدهما أن ابن ملجم كافر. لأنه مستحل دم علي، ومن استحل دم مثل علي رضي الله عنه فهو كافر. وإذا كان كافرا فلا حجة في قتله. الثاني أنه ساع في الأرض بالفساد، فهو محارب، والمحارب إذا قتل وجب قتله على كل حال ولو عفا أولياء الدم. كما قدمناه في سورة (المائدة) وإذن فلا
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»