أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٣٤٨
قال مقيده عفا الله عنه: لا يخفى أن هذا الذي ذكرنا يثبت به منع بيع اللحم بالحيوان. أما على مذهب من يحتج بالمرسل كمالك وأبي حنيفة وأحمد فلا إشكال وأما على مهذب من لا يحتج بالمرسل فمرسل سعيد بن المسيب حجة عند كثير ممن لا يحتج بالمرسل، ولا سيما أنه اعتضد بحديث الحسن عن سمرة. فعلى قول من يصحح سماع الحسن عن سمرة فلا إشكال في ثبوت ذلك، لأنه حينئذ حديث صحيح متصل وأما على قول من لا يثبت سماع الحسن عن سمرة فأقل درجاته أنه مرسل صحيح، اعتضد بمرسل صحيح. ومثل هذا يحتج به من يحتج بالمرسل ومن لا يحتج به وقد قدمنا في (سورة المائدة) كلام العلماء في سماع الحسن عن سمرة، وقدمنا في (سورة الأنعام) أن مثل هذا المرسل يحتج به بلا خلاف عنه الأئمة الأربعة، فظهر بهذه النصوص أن بيع الحيوان باللحم من جنسه لا يجوز خلافا لأبي حنيفة. وأما إن كان من غير جنسه كبيع شاة بلحم حوت، أو بيع طير بلحم إبل فهو جائز عند مالك، لأن المزابنة تنتفي باختلاف الجنس، وحمل معنى الحديث على هذا وإن كان ظاهره العموم.
ومذهب الشافعي مع اختلاف الجنس فيه قولان: أحدهما جواز بيع اللحم بالحيوان إذا اختلف جنسهما. والثاني المنع مطلقا لعموم الحديث. ومذهب أحمد في المسألة ذكره ابن قدامة في المغني بقوله: وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي: أنه لا يجوز. فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم فقال: لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يباع حتى بميت) واختار القاضي جوازه وللشافعي فيه قولان. واحتج من منعه بعموم الأخبار، وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه قال: مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه، فجاز كما لو باعه بالأثمان. وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم جاز في ظاهر قول أصحابنا، وهو قول عامة الفقهاء انتهى كلام صاحب المغني قال مقيده عفا الله عنه: قد عرفت مما تقدم أن بعض العلماء قال: إن اللحم كله جنس واحد. وبعضهم قال: إن اللحوم أجناس. فعلى أن اللحم جنس واحد فمنع بيع الحيوان باللحم هو الظاهر. وعلى أن اللحوم أجناس مختلفة فبيع اللحم بحيوان من غير جنسه الظاهر فيه الجواز. لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم) والعلم عند الله تعالى.
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»