أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٢٠٩
المذكورة. وكقوله: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * أي إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول: فمعنى الآية، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي لولا أن رآه هم بها. فما قبل * (لولا) * هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: * (إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها) * فما قبل * (لولا) * دليل الجواب. أي لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.
واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب * (لولا) * وتقديم الجواب في سائر الشروط: وعلى هذا القول يكون جواب * (لولا) * في قوله: * (لولا أن رأى برهان ربه) * هو ما قبله من قوله: * (وهم بها) *.
وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو العباس المبرد، وأبو زيد الأنصاري.
وقال الشيخ أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها البتة، بل هو منفى لوجود رؤية البرهان. كما تقول: لقد فارقت لولا أن عصمك الله. ولا نقول: إن جواب * (لولا) * متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها. وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد.
بل نقول: إن جواب * (لولا) * محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت. فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم. ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم. بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل، وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، ولا التفات إلى قول الزجاج. ولو كان الكلام: ولهم بها كان بعيدا، فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: * (هم * بها) * هو جواب * (لولا) * ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب. وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة، لجواز أن يأتي جواب * (لولا) * إذا كان بصيغة الماضي
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»