وأما الاستدلال بأن الآية الكريمة سيقت للامتنان: فيجاب عنه بأنه قصد به ما كان الانتفاع به أغلب عند العرب. فخوطبوا بما عرفوا وألفوا ولم يكونوا يألفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم وشدة الحاجة إليها في القتال بخلاف الأنعام: فأكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل. فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فيه.
فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر كما قدمنا.
وأما الاستدلال بأن الإذن في أكلها. سبب لفنائها وانقراضها:
فيجاب عنه: بأنه أذن في أكل الأنعام ولم تنقرض ولو كان الخوف من ذلك علة لمنع في الأنعام لئلا تنقرض فيتعطل الانتفاع بها في غير الأكل.
قاله ابن حجر وأما الاستدلال بحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه: فهو مردود من وجهين:
الأول: أنه ضعفه علماء الحديث. فقد قال ابن حجر في (فتح الباري) في باب لحوم الخيل ما نصه: وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون.
وقال النووي: في شرح المهذب واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم. على أن حديث خالد المذكور حديث ضعيف وذكر أسانيد بعضهم بذلك. وحديث خالد المذكور مع أنه مضطرب. في إسناده صالح بن يحيى بن المقدام بن معديكرب. ضعفه غير واحد وقال فيه ابن حجر في التقريب: لين. وفيه أيضا: والده يحيى المذكور الذي هو شيخه في هذا الحديث. قال فيه في التقريب: مستور.
الوجه الثاني: أنا لو سلمنا عدم ضعف حديث خالد. فإنه معارض بما هو أقوى منه كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل وفي لفظ في الصحيح وأذن في لحوم الخيل وكحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه متفق عليهما.
ولا شك في أنهما أقوى من حديث خالد وبهذا كله تعلم أن الذي يقتضي الدليل الصريح رجحانه إباحة أكل لحم الخيل والعلم عند الله تعالى ولا يخفى أن الخروج من الخلاف أحوط كما قال بعض أهل العلم.