ولم يبين المراد بالأكابر هنا ولا كيفية مكرهم وبين جميع ذلك في مواضع أخر: فبين أن مجرميها الأكابر هم أهل الترف والنعمة في الدنيا بقوله: * (ومآ أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوهآ إنا بما أرسلتم به كافرون) * وقوله: * (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوهآ إنا وجدنآ آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) *. ونحو ذلك من الآيات.
وبين أن مكر الأكابر المذكور: هو أمرهم بالكفر بالله تعالى وجعل الأنداد له بقوله: * (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننآ أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) * وقوله: * (ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن ءالهتكم) *.
وأظهر أوجه الإعراب المذكورة في الآية عندي اثنان:
أحدهما: أن أكابر مضاف إلى مجرميها وهو المفعول الأول لجعل التي بمعنى صير والمفعول الثاني هو الجار والمجرور أعني في كل قرية.
والثاني: أن مجرميها مفعول أول. وأكابر مفعول ثان أي جعلنا مجرميها أكابرها والأكابر جمع الأكبر. قوله تعالى: * (وإذا جآءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله) *.
يعنون أنهم لن يؤمنوا حتى تأتيهم الملائكة بالرسالة كما أتت الرسل كما بينه تعالى في آيات أخر كقوله: * (وقال الذين لا يرجون لقآءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا الآية) *. وقوله: * (أو تأتى بالله والملائكة قبيلا) * إلى غير ذلك من الآيات. * () * قوله تعالى: * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) *.
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية الكريمة فقيل: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم قال: نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت ويدل لهذا قوله تعالى: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) *