الآخرة. وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال: * (ثم استوى على العرش الرحمان) * وقال: * (الرحمان على العرش استوى) * فذكر الاستواء باسمه الرحمان ليعم جميع خلقه برحمته. قاله ابن كثير. ومثله قوله تعالى: * (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمان) *؛ أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: * (الرحمان * علم القرءان) * إلى قوله: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * وقال: * (وكان بالمؤمنين رحيما) * فخصهم باسمه الرحيم. فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم: رحمن الدنيا والآخرة ورحميهما. فالظاهر في الجواب والله أعلم أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا لكنه لا يختص بهم في الآخرة بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا فيكون معنى: رحيمهما رحمته بالمؤمنين فيهما.
والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضا: أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: * (هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) *؛ لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا. وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا وكذلك قوله تعالى: * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم) * فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجارة للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا. والعلم عند الله تعالى. * (وقوله ملك يوم الدين) * لم يبينه هنا وبينه في قوله: * (وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) *.
والمراد بالدين في الآية الجزاء. ومنه قوله تعالى: * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * أي جزاء أعمالهم بالعدل.