وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا. فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
* (فيه ظلمات) * ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرءان بظلمات المطر المضروب مثلا للقرءان وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) *؛ لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يوما جهة ويوما آخر جهة أخرى كما قال تعالى: * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) *.
وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه بقوله: * (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) * وكقوله تعالى: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرءان) * لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سببا لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب؛ لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه. فهو سبب لزيادة الضالين ضلالا. وكذلك الشجرة الملعونة في القرءان التي هي شجرة الزقوم. فهي سبب أيضا لزيادة ضلال الضالين منهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: * (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) * قالوا: ظهر كذبه؛ لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار؟
وكقوله تعالى: * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) *؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى: * (عليها تسعة عشر) *.