عمر فسكوت جميع الصحابة عنه وكون ذلك لم ينقل منه حرف عن غير ابن عباس يدل دلالة واضحة على أحد أمرين:
أحدهما: أن حديث طاوس الذي رواه عن ابن عباس ليس معناه أنها بلفظ واحد بل بثلاثة ألفاظ في وقت واحد كما قدمنا وكما جزم به النسائي وصححه النووي والقرطبي وابن سريج. وعليه فلا إشكال لأن تغيير عمر للحكم مبني على تغيير قصدهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق. ونوى التأكيد فواحدة وأن نوى الاستئناف بكل واحدة فثلاث. واختلاف محامل اللفظ الواحد لاختلاف نيات اللافظين به لا إشكال فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى.
والثاني: أن يكون الحديث غير محكوم بصحته لنقله آحادا مع توفر الدواعي إلى نقله والأول أولى وأخف من الثاني وقال القرطبي في المفهم في الكلام على حديث طاوس المذكور: وظاهر سياقه يقتضي عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم وينتشر فكيف ينفرد به واحد عن واحد؟ قال: فهذا الوجه يقتضي التوقف عن العمل بظاهره إن لم يقتض القطع ببطلانه. اه منه بواسطة نقل ابن حجر في فتح الباري عنه وهو قوي جدا بحسب المقرر في الأصول كما ترى.
الجواب السادس: عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما هو حمل لفظ الثلاث في الحديث على أن المراد بها البتة كما قدمنا في حديث ركانة وهو من رواية ابن عباس أيضا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد أن ذكر هذا الجواب ما نصه: وهو قوي ويؤيده إدخال البخاري في هذا الباب الآثار التي فيها البتة والأحاديث التي فيها التصريح بالثلاث كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما وأن البتة إذا أطلقت حمل على الثلاث إلا أن أراد المطلق واحدة فيقبل فكأن بعض رواته حمل لفظ البتة على الثلاث؛ لاشتهار التسوية بينهما فرواها بلفظ الثلاث. وإنما المراد لفظة البتة وكانوا في العصر الأول يقبلون ممن قال أردت بالبتة واحدة فلما كان عهد عمر أمضى الثلاث في ظاهر الحكم. اه من فتح الباري بلفظه وله وجه من النظر كما لا يخفى وما يذكره كل ممن قال بلزوم الثلاث دفعة ومن قال بعدم لزومها من الأمور النظرية ليصحح به كل مذهبه لم نطل به الكلام؛ لأن الظاهر سقوط ذلك كله وأن هذه المسألة إن لم يمكن