احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: * (رب العالمين) * وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة يؤخذ من لفظ: * (الله) * ومن قوله: * (إياك نعبد) * وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه وقد دل على ذلك لفظ * (الحمد) * كما تقدم وتضمنت إثبات النبوة في قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم) * لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: * (مالك يوم الدين) * وأن الجزاء يكون بالعدل لأن الدين معناه الجزاء بالعدل وتضمنت إثبات القدر وأن العبد فاعل حقيقة خلافا للقدرية والجبرية بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم) * لأنه معرفة الحق والعمل به وكل مبتدع [[وضال] فهو مخالف لذلك وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى عبادة واستعانة في قوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * فالحمد لله رب العالمين ((تفسير سورة البقرة وهي مدنية)) (1 - 5) * (بسم الله الرحمن الرحيم ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) * تقدم الكلام على البسملة وأما الحروف المقطعة في أوائل السور فالأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي] مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها وقوله: * (ذلك الكتاب) * أي: هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين ف * (لا ريب فيه) * ولا شك بوجه من الوجوه ونفي الريب عنه يستلزم ضده إذ ضد الريب والشك اليقين فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب وهذه قاعدة مفيدة أن النفي المقصود به المدح لا بد أن يكون متضمنا لضده وهو الكمال لأن النفي عدم والعدم المحض لا مدح فيه فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: * (هدى للمتقين) * والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة وقال: * (هدى) * وحذف المعمول فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ولا للشيء الفلاني لإرادة العموم وأنه هدى لجميع مصالح الدارين فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأخراهم وقال في موضع آخر: * (هدى للناس) * فعمم وفي هذا الموضع وغيره * (هدى للمتقين) * لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا ولم يقبلوا هدى الله فقامت عليهم به الحجة ولم ينتفعوا به لشقائهم وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر لحصول الهداية وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية ولأن الهداية نوعان: هداية البيان وهداية التوفيق فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية [تامة] ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة لتضمن التقوى لذلك فقال: * (الذين يؤمنون بالغيب) * حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر إنما الشأن في الإيمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده وإنما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر لأنه تصديق مجرد لله ورسله فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به أو أخبر به رسوله سواء شاهده أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله أو لم يهتد إليه عقله وفهمه بخلاف الزنادقة المكذبين للأمور الغيبية؛ لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم ومرجت أحلامهم وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله ويدخل في الإيمان بالغيب [الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة وأحوال الآخرة وحقائق أوصاف الله وكيفيتها [وما أخبرت به الرسل من
(٤٠)