تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٨٥
ووعيد الكافرين مع التنويه بشأن القرآن وفخامة قدره وفي " البحر " أنه سبحانه لما ذكر أنه جل وعلا أعلم بما يجمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من المكر والخداع وإيذاء من أسلم بأنواع من الأذى كالضرب والقتل والصلب والحرق بالشمس وإحماء الصخر ووضع أجساد من يريدون أن يفتنوه عليه ذكر سبحانه أن هذه الشنشنة كانت فيمن تقدم من الأمم فكانوا يعذبون بالنار وأن المعذبين كان لهم من الثبات في الايمان ما منعهم أن يرجعوا عن دينهم وإن الذين عذبوهم ملعونون فكذلك الذين عذبوا المؤمنين من كفار قريش فهذه السورة عظة لقريش وتثبيت لمن يعذبونه من المؤمنين انتهى وهو وجه وجيه:
* (والسمآء ذات البروج) * * (والسماء ذات البروج) * أي القصور كما قال ابن عباس وغيره والمراد بها عند جمع البروج الإثنا عشر المعروفة وأصل البرج الأمر الظاهر ثم صار حقيقة للقصر العالي لأنه ظاهر للناظرين ويقال لما ارتفع من سور المدينة برج أيضا وبروج والسماء بالمعنى المعروف وإن التحقت بالحقيقة فهي في الأصل استعارة فإنها شبهت بالقصور لعلوها ولأن النجوم نازلة فيها كسكانها فهناك استعارة مصرحة تتبعها مكنية وقيل شبه السماء بسور المدينة فأثبت لها البروج وقيل هي منازل القمر وهذا راجع إلى القول الأول لأن البروج منقسمة ثمانية وعشرين منزلا وقد تقدم الكلام فيها وقال مجاهد والحسن وعكرمة وقتادة هي النجوم وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فيه حديثا مرفوعا بلفظ الكواكب بدل النجوم والله تعالى أعلم بصحته وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن أبي صالح أنه قال هي النجوم العظام وعليه إنما سميت بروجا لظهورها وكذا على ما قبله وإن اختلف الظهور ولم يظهر شموله جميع النجوم وقيل هي أبواب السماء وسميت بذلك لأن النوازل تخرج من الملائكة عليهم السلام منها فجعلت مشبهة بقصور العظماء النازلة أو أمرهم منها أو لأنها لكونها مبدأ للظهور وصفت به مجازا في الطرف وقيل في النسبة والبروج الإثنا عشر في الحقيقة على ما ذكره محققو أهل الهيئة معتبرة في الفلك الأعلى المسمى بفلك الأفلاك والفلك الأطلس وزعموا أنه العرش بلسان الشرع لكنها لما لم تكن ظاهرة حسا دلوا عليها بما سامتها وقت تقسيم الفلك الأعلى من الصور المعروفة كالحمل والثور وغيرهما التي هي في الفلك الثامن المسمى عندهم بفلك الثوابت وبالكرسي في لسان الشرع على ما زعموا فبرج الحمل مثلا ليس إلا جزءا من اثني عشر جزءا من الفلك الأعلى سامتته صورة الحمل من الثوابت وقت التقسيم وبرج الثور ليس إلا جزءا من ذلك سامتته صورة الثور منها ذلك الوقت أيضا وهكذا وإنما قيل وقت التقسيم لأن كل صورة قد خرجت لحركتها وإن كانت بطيئة عما كانت مسامتة له من تلك البروج حتى كاد يسامت الحمل اليوم برج الثور والثور برج الجوزاء وهكذا فعلى هذا وكون المراد بالروج البروج ازثني عشر أو المنازل قيل المراد بالسماء الفلك الأعلى وقيل الفلك الثامن لظهور الصور الدالة على البروج فيه ولذا يسمى فلك البروج وقيل السماء الدنيا لأنها ترى فيها بظاهر الحس نظير ما قيل في قوله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وقيل الجنس الشامل لكل سماء لأن السموات شفافة فيشارك العليا فيما فيها السفلى لأنه يرى فيها ظاهرا وإذا أريد بالبروج النجوم فقيل المراد بالسماء الفلك الثامن لأنها فيه حقيقة وقيل السماء الدنيا وقيل الجنس على نحو ما مر ولا يراد على ما قيل الفلك الأعلى لأنه كاسمه غير مكوكب وإذا أريد بها الأبواب فقيل المراد بالسماء ما عدا فلك الأفلاك المسمى بلسان الشرع بالعرش فإنه لم يرد أن له أبوابا هذا وأنت تعلم أن أكثر ما ذكر مبني على كلام أهل الهيئة المتقدمين وهو لا يصح له مستند شرعا ولا يكاد تسمع فيه إطلاق السماء على العرش أو الكرسي لكن لما سمع بعض الإسلاميين
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»