تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٨٩
بكتابهم وكانت الخمرة قد أحلت لهم فتناول منها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله فتناول أخته أو ابنته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم وقال لها ويحك ما هذا الذي أتيت وما المخرج منه قالت المخرج منه أن تخطب الناس فتقول أيها الناس إن الله أحل نكاح الأخوات أو البنات فقال الناس جمعتهم معاذ الله تعالى أن نؤمن بهذا أو نقر به أو جاءه به نبي أو نزل علينا في كتاب فرجع إلى صاحبته وقال ويحك إن الناس قد أبوا على ذلك قالت إن أبوا عليك فابسط فيهم السوط فبسط فيهم السوط فأبوا أن يقروا قالت فجرد فيهم السيف فأبوا أن يقروا قالت فخذ لهم الأخدود ثم أوقد فيها النيران فمن تابعك خل عنه فخذ لهم أخدودا وأوقد فيها النيران وعرض أهل مملكته على ذلك فمن أبى قذفه في النار ومن لم يأب خلى عنه وقيل وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى عليه السلام فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فأحرق منهم اثني عشر ألفا في الأخاديد وقيل سبعين ألفا وذكر أن طول الأخدود أربعون ذراعا وعرضه اثني عشر ذراعا ولاختلاف الأخبار في القصة اختلفوا في موضع الأخدود فقيل بنجران لهذا الخبر الأخير وقيل بأرض الحبشة لخبر ابن نجي السابق وأخرج عبد بن حميد وابن ا لمنذر عن قتادة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان بمذراع اليمن أي قراه وهذا لا ينافي كونه بنجران لأنه بلد باليمن وكذا اختلفوا في أصحاب الأخدود لذلك فحكى فيه ما يزيد على عشرة أقوال منها أنهم حبشة ومنها أنهم من النبط وروى عن عكرمة ومنها أنهم من بني إسرائيل وروى عن ابن عباس وأصح الروايات عندي في القصة ما قدمناه عن صهيب رضي الله تعالى عنه والجمع ممكن فقد قال عصام الدين لعل جميع ما روى واقع والقرآن شامل له فلا تغفل وقرأ الحسن وابن مقسم قتل بالتشديد وهو مبالغة في لعنهم لعظم ما أتوا به وقد كان صلى الله عليه وسلم على ما أرج ابن أبي شيبة عن عوف وعبد بن حميد عن الحسن إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ من جهد البلاء.
* (النار ذات الوقود) * * (النار) * بدل اشتمال من الأخدود والرابط مقدر أي فيه أو أقيم إلى مقام الضمير أو لأنه معلوم اتصاله به فلا يحتاج لرابط وكذا كل ما يظهر ارتباطه فيما قبل وجوز أبو حيان كونه بدل كل من كل على تقدير محذوف أي أخدود النار وليس بذاك وقرأ قوم النار بالرفع فقيل على معنى قتلتهم النار كما في قوله تعالى: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال) * رجال على قراءة يسبح بالبناء للمفعول وقوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين وليس المراد بالقتل اللعن وجوز أن يراد بهم الكفرة والقتل على حقيقته بناء على ما قال الربيع بن أنس والكلبي وأبو العالية وأبو إسحق من الله تعالى بعث على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذي كانوا على حافتي الأخدود وأنت تعلم أن قول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دلت عليه القصص التي ذكروها فلا ينبغي أن يعول عليه وإن حمل القتل على حقيقته غير ملائم للمقام ولعل الأولى في توجيه هذه القراءة أن النار خبر مبتدأ محذوف أي هي أو هو النار ويكون الضمير راجعا على الأخدود وكونه النار خارج مخرج المبالغة كأنه نفس النار * (ذات الوقود) * وصف لها بغاية العظمة وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه ووجه إفادته ذلك أنه لم يقل موقدة بل جعلت ذات وقود أي مالكته وهو كناية عن زيادته زيادة مفرطة لكثرة ما يرتفع به لهبها وهو الحطب الموقد به لأن تعريفه استغراقي وهي إذا ملكت كل موقود به عظم حريقها ولهبها وليس ذلك لأنه لا يقال ذو كذا إلا لمن كثر عنده كذا لأنه غير مسلم وذو النون يأباه وكذا ذو العرض وقرأ الحسن وأبو بجار وأبو حيوة وعيسى الوقود بضم الواو وهو مصدر بخلاف مفتوحه فإنه ما يوقد به. وقد حكى سيبويه أنه مصدر كمضمونه وقوله تعالى:
* (إذ هم عليها قعود) * * (إذ هم عليها قعود) *
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»