تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٤٢
والجملة الثانية اعتراض جيء به للترغيب في القرآن والحث على حفظه أو الاتعاظ به واقتران الجملة المعترض بها بالفاء قد صرح به ابن مالك في " التسهيل " من غير نقل اختلاف فيه كلام الزمخشري في " الكشاف " عند الكلام على قوله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر) * نص في ذلك نعم قيل إنه قيل له فمن شاء ذكره اعتراض فقال لا لأن الاعتراض شطه أن يكون بالواو أو بدونه فأما بالفاء فلا أي وهو استطراد لكن تعقب بأن النقل لمنافاته ذلك ليس بثبت ويمكن أن يكون في القوم من ينكر ذلك فوافقه تارة وخالفه أخرى وما ألطف قول السعدي في التلويح الاعتراض يكون بالواو والفاء. فاعلم فعلم المرء ينفعه هذا وقيل الضمير الأول للسورة أو للآيات السابقة والثاني للتذكرة والتذكير لأنها بمعنى الذكر والوعظ أو لمرجع الأول والتذكير باعتبار كون ذلك قرآنا ورجح بعدم ارتكاب التأويل قبل الاحتياج إليه وتعقب بأنه ليس بذاك فإن السورة أو الآيات وإن كانت متصفة بماسيأتي إن شاء الله تعالى من الصفات الشريفة لكنها ليست مما ألقى على من استغنى عنه واستحق بسبب ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى من الدعاء عليه والتعجب من كفره المفرط لنزولها بعد الحادثة وجوز كون الضميرين للمعاتبة الواقعة وتذكير الثاني لكونها عتابا وفيه أنه يأباه الوصف بالصفات الآتية وإن كان باعتبار أن العتاب وقع بالآيات المذكورة قبل وهي متصفة بما ذكر جاءما سمعت آنفا وقيل لك أن تجعلهما للدعوة إلى الإسلام وتذكير الثاني لكونهما دعاء وهذا على ما فيه مما يأباه المقام وقوله تعالى:
* (فى صحف مكرمة) * * (في صحف) * متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة أو خبر ثان لأن أي كائنة أو مثبتة في صحف والمراد به الصحف المنتسخة من اللوح المحفوظ وعن ابن عباس هي اللوح نفسه وهو غير ظاهر وقيل الصحف المنزلة على الأنبياء عليهم السلام كقوله تعالى: * (وأنه لفي زبر الأولين) * وقيل صحف المسلمين على أنه إخبار بالغيب فإن القرآن بمكة لم يكن في الصحف وإنما كان متفرقا في الدفاف والجريد ونحوهما وأول ما جمع في صحيفة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهو كما ترى * (مكرمة) * عند الله عز وجل:
* (مرفوعة مطهرة) * * (مرفوعة) * أي في السماء السابعة كما قال يحيى بن سلام أو مرفوعة القدر كما قيل * (مطهرة) * منزهة عن مساس أيدي الشياطين أو عن كل دنس على ما روى عن الحسن وقيل عن الشبه والتناقص والأول قيل مأخوذ من مقابلته بقوله تعالى:
* (بأيدى سفرة) * * (بأيدي سفرة) * أي كتبة من الملائكة عليهم السلام كما قال مجاهد وجماعة فإنهم ينسخون الكتب من اللوح وهو جمع سافر أي كاتب والمصدر السفر كالضرب وعن ابن عباس هم الملائكة المتوسطون بين الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام على أنه جمع سافر أيضا بمعنى سفير أي رسول وواسطة والمشهور في مصدره بهذا المعنى السفارة بكسر السين وفتحها وجاء فيه السفر أيضا كما في " القاموس " وقيل هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم سفراء بين الله تعال والأمة أو لأنهم يكتبون الوحي ولا يخفى بعده فإن الأنبياء عليهم السلام وظيفتهم التلقي من الوحي لا الكتب لما يوحى على أن خاتمهم صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب القرآن وتعليم الشرائع والأحكام لا مجرد السفارة إليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قيل لأنهم سفراء ووسائط بينه عليه الصلاة والسلام وبين سائر الأمة وقيل لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والتعلم وفي رواية عن قتادة أنهم القراء وكان القولين ليس بالمعول عليه وقد قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة عليهم السلام لا تكاد تطلق على غيرهم وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة ومادتها موضوعة بجميع تراكيبها لما يتضمن الكشف كسفرت المرأة إذ كشفت القناع عن وجهها والباء قيل متعلقة بمطهرة
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»