تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٤٥
من النعم لأنها وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم وخصت هذه النعم بالذكر لما فيها من ذكر أحوال الإنسان من ابتدائه إلى انتهائه وما تتضمن من النعم التي هي محض فضل من الله تعالى فإذا تأمل ذلك العاقل علم قبح الكفر وكفران نعم الرب سبحانه وتعالى فشكره جل وعلا بالايمان والطاعة.
* (ثم إذا شآء أنشره) * * (ثم إذا شاء أنشره) * أي ءذا شاء إنشاره أنشره على القاعدة المعروفة في حذف مفعول المشيئة وفي تعليق الإنشار بمشيئته تعالى إيذان بأن وقته غير معين أصلا بل هو تابع لها وهذا بخلاف الاماتة فإن وقتها معين إجمالا على ما هو المعهود في الأعمار الطبيعية وكذا الحال في وقت الاقبار بل هو أظهر في ذلك وقرأ شعيب بن الحجاب كما في " كتاب اللوامح " وابن أبي حمزة كما في تفسير بن عطية نشره بدون همزة وهما لغتان في الاحياء وقوله تعالى:
* (كلا لما يقض مآ أمره) * * (كلا) * ردع للإنسان عما هو عليه من كفران النعم البالغ نهايته وقوله سبحانه: * (لما يقض ما أمره) * بيان لسبب الردع ولما نافية جازمة ونفيها غير منقطع وما موصولة وضمير أمره إما للإنسان كالمستتر في يقض والعائد إلى الموصول محذوف أي به أو للموصول على الحذف والإيصال والعائد إلى الموصول والمراد بما أمره جميع ما أمره والمعنى على ما قال غير واحد لم يقض من أول زمان تكليفه إلى زمان أمانته وإقباره أو من لدن آدم عليه السلام إلى هذه الغاية مع طول المدى وامتداده جميع ما أمره فلم يخرج من جميع أوامره تعالى إذ لا يخلو أحد عن تقصير ما ونقل هذا عن مجاهد وقتادة وفيه حمل عدم القضاء على نفي العموم وتعقب بأنه لا ريب في أن مساق الآيات الكريمة لبيان غاية عظم الإنسان وتحقيق كفرانه المفرط المستوجب للسخط العظيم وظاهر أن ذلك لا يتحقق بهذا القدر من نوع تقصير لا يخلو عنه أحد من أفراده واختير أن يحمل عدم القضاء على عموم النفي أما على أن المحكوم عليه هو الإنسان المستغني أوهو الجنس لكن لا على الإطلاق بل على أن مصداق الحكم بعدم القضاء بعض أفراده وقد أسند إلى الكل كما في قوله تعالى: إن الإنسان لظلوم كفار وأما على أن مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الايجاب الكلي دون السلب الكلي فالمعنى لما يقض جميع أفراده ما أمره بل أخل به بضعها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل أن لا يتخلف عنه أحد وعن الحسن أن * (كلا) * بمعنى حقا فيتعلق بما بعده أي حق لم يعمل بما أمره به وقال ابن فورك الضمير يقض لله تعالى أي لم يقض الله تعالى لهذا الكافر ما أمره به من الايمان بل أمره إقامة للحجة عليه بما لم يقض له ولا يخفى بعده والظاهر عليه أن * (كلا) * بمعنى حقا أيضا وقوله سبحانه:
* (فلينظر الإنس‍ان إلى طعامه) * * (فلينظر الأنسان إلى طعامه) * على معنى إذا كان هذا حال الإنسان وهو أنه إلى الآن لم يقض ما أمره مع أن مقتضى النعم السابقة القضاء فلينظر إلى طعامه الخ لعله يقضي وفي " الحواشي العصامية " لا يخفى ما في قوله تعالى: * (لما يقض ما أمره) * من كمال تهييج الإنسان وتحريضه على امتثال ما يعقبه من الأمر بالنظر وتفريع الأمر عليه مبني على أن الائتمار كما ينبغي أن يتيسر بعد الارتداع عما هو عليه والظاهر أن المراد بالإنسان هنا نحو ما أريد به في قوله تعالى: * (قتل الإنسان) * ولما جوز " صاحب الحواشي " المذكورة حمل عدم القضاء على السلب الكلي وجعل الكلام في الإنسان المبالغ في الكفر قال فالمراد بضمير يقض غير الإنسان الذي أمر بالنظر فإنه عام فلذا أظهر وتضمن ما مر ذكر النعم الذاتية أي ما يتعلق بذات الإنسان من الذات نفسها ولوازمها وهذا ذكر النعم الخارجية المقابلة لذلك وقيل الأولى نعم خاصة والثانية نعم عامة وقيل تلك نعم متعلقة بالحدوث وهذه نعم متعلقة بالبقاء وفيه نظر والظاهر أن المراد بالطعام المطعوم بأنواعه واقتصر عليه ولم يذكر المشروب لأن آثار القدرة فيه أكثر من آثارها في المشروب واعتبار التغليب لا يخفى ما فيه وقوله تعالى:
* ( ط * (أنا صببنا المآء صبا) * * (أنا صببنا الماء) * بدل منه بدل اشتمال فإنه لكونه من أسباب
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»