فإن الإقبال على المدبر مخل بالمروءة ومن هنا قيل: لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي * ولا ألين لمن لا يبتغي ليني والله لو كرهتا كفى مصاحبتي * يوما لقلت لها عن صحبتي بيني وقرأ الحرميان تصدى بتشديد الصاد على أن الأصل تتصدى فقلبت التاء صادا وأدغمت وقرأ أبو جعفر تصدى بضم التاء وتخفيف الصاد مبنيا للمفعول أي تعرض ومعناه يدعوك إلى التصدي والتعرض له داع من الحرص ومزيد الرغبة في إسلامه، وأصل تصدى على ما في " البحر " تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وصار قبالتك يقال داري صدد داره أي قبالتها وقيل من الصدى وهو العطش وقيل من الصدى وهو الصوات المعروف.
* (وما عليك ألا يزكى) * * (وما عليك ألا يزكى) * وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم فما نافية والجملة حال من ضمير تصدى والممنوع عنه في الحقيقة الإعراض عمن أسلم لا الإقبال على غيره والاهتمام بأمره حرصا على إسلامه ويجوز أن تكون ما استفهامية للإنكار أي أي شيء عليك في أن لا يتزكى ومآله النفي أيضا.
* (وأما من جآءك يسعى) * * (وأما من جاءك يسعى) * أي حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من أحكام الرشد وخصال الخير.
* (وهو يخشى) * * (وهو يخشى) * أي يخاف الله تعالى وقيل أذية الكفار في الإتيان وقيل العثار والكبوة إذ لم يكن معه قائد والجملة حال من فاعل يسعى كما أن جملة يسعى حال من فاعل جاءك واستظهر الأفاضل أن النظم الجليل من الاحتباك ذكر الغنى أو لا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيء والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما أولا وكأ حمل استغنى على ما نقل أخيرا واستشعر ما قيل عليه فاحتاج لدفعه إلى هذا التكلف وعدم الاحتياج إليه على ما نقلناه في غاية الظهور.
* (فأنت عنه تلهى) * * (فأنت عنه تلهى) * تتشاغل يقال لهي عنه كرضي ورمي والنهي وتلهى. وفي تقديم ضميره عليه الصلاة والسلام على الفعلين تنبيه على أن مناط الإنكار خصوصيته عليه الصلاة والسلام وتقديم له وعنه قيل للتعريض بالاهتمام بمضمونهما وقيل للعناية لأنهما منشأ العتاب وقيل للفاصلة وقيل للحصر وذكر التصدي في المستغني دون الاشتغال به وهو المقابل للتلهي عن المسرع الخاشي والتلهي عنه دون عدم التصدي له وهو المقابل للتصدي لذلك قيل للاشعار بأن العتاب للاهتمام بالأول لا للاشتغال به إذ الاشتغال بالكفار غير ممنوع وعلى الاشتغال عن الثاني لا لأنه لا اهتمام له صلى الله عليه وسلم في أمره إذ الاهتمام غي رواجب لأنه عليه الصلاة والسلام ليس إلا منذرا وقرأ البزي عن ابن كثير عنه و * (تلهى) * بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل وأبو جعفر * (تلهى) * بضم التاء مبنيا للمفعول أي يشغلك الحرص على دعاء الكافر للإسلام وطلحة تتلهى بتاءين وعنه بتاء واحدة وسكون اللام.
* (كلا إنها تذكرة) * * (كلا) * مبالغة في إرشاده صلى الله عليه وسلم إلى عدم معاودة ما عوتب عليه صلى الله عليه وسلم وقد نزل ذلك كما في خبر رواه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس بعد أن قضى عليه الصلاة والسلام نجواه وذهب إلى أهله وجوز كونه إرشادا بليغا إلى ترك المعاتب عليه عليه الصلاة والسلام بناء على أن النزول في أثناء ذلك وقبل انقضائه وفي بعض الآثار أنه صلى الله عليه وسلم بعدما عبس في وجه فقير ولا تصدى لغني وتأدب الناس بذلك أدبا حسنا فقد روى عن سفيان الثوري أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء والضمير في قوله تعالى: * (إنها) * للقرآن العظيم والتأنيث لتأنيث الخبر أعني قوله سبحانه: * (تذكرة) * أي موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها وكذا الضمير في قوله عز وجل:
* (فمن شآء ذكره) * * (فمن شاء ذكره) * والجملة المؤكدة تعليل لما أفادته كلا ببيان علو رتبة القرآن العظيم الذي استغنى عنه من تصدى عليه الصلاة واللاسم له