الأمر والظاهر أن إيلافهم على جميع ذلك منصوب على المصدرية ولم أر من تعرض له وقرأ أبو السمال رحلة بضم الراء وهي حينئذ بمعنى الجهة التي يرحل إليها وأما مكسور الراء فهو مصدر على ما صرح به في البحر.
* (فليعبدوا رب هاذا البيت) * * (فليعبدوا رب هذا البيت) * هو الكعبة التي حميت من أصحاب الفيل وعن عمر أنه صلى بالناس بمكة عند الكعبة فلما قرأ فليعبدوا رب هذا البيت جعل يومي بإصبعه إليها وهو في الصلاة بين يدي الله تعالى:
* (الذىأطعمهم من جوع وءامنهم من خوف) * * (الذي أطعمهم) * بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانه * (من جوع) * شديد كانوا فيه قبلهما وقيل أريد به القحط الذي أكلوا فيه الجيف والعظام * (وآمنهم من خوف) * عظيم لا يقادر قدره وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم أو خوف الجذام كما أخرج ذلك ابن جرير وغيره عن ابن عباس فلا يصيبهم في بلدهم فضلا منه تعالى كالطاعون وعنه أيضا أنه قال اطعمهم من جوع بدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال وارزقهم من الثمرات وآمنهم من خوف حيث قال إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد آمنا. ومن قيل تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم ويقدر المضاف لتظهر صحة التعليل أو يقال الجوع علة باعثة ولا تقدير وقيل بدلية مثلها في قوله تعالى: * (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) * وحكى الكرماني في غرائب التفسير أنه قيل في قوله تعلى: * (وآمنهم من خوف) * أن الخلافة لا تكون إلا فيهم وهذا من البطلان بمكان كما لا يخفى وقرأ المسيبي عن نافع من خوف بإخفاء النون في الخاء وحكى ذلك عن سيبويه وكذا إخفاؤها مع العين نحو من على مثلا والله تعالى أعلم.
سورة الماعون وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير كما في " الدر المنثور " وفي " البحر " أنها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكى ذلك أيضا عن الضحاك وقال هبة الله المفسر الضرير نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها في المدينة في عبد الله بن أبي المنافق. وآيها سبع في العراقي وست في الباقية ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أطعمهم من جوع ثم عز وجل هنا من لم يحض على طعام المسكين ولما قال تعالى: * (هناك فليعبدوا رب هذا البيت) * ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته أو لما عدد نعمه تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه فقال عز قائل:
* (أرءيت الذى يكذب بالدين) * * (أرأيت الذي يكذب بالدين) * استفهام أريد بن تشويق السامع إلى تعرف المكذب وإن ذلك مما يجب على المتدين ليحترز عنه وعن فعله وفيه أيضا تعجيب منه والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له والرؤية بمعنى المعرفة المتعدية لواحد وقال الحوفي يجوز أن تكون بصرية وعلى الوجهين يجوز أن يتجوز بذلك عن الاخبار فيكون المراد بأرأيت أخبرني وحينئذ نكون متعدية لاثنين أو لهما الموصول وثانيهما محذوف تقديره من هو أو أليس مستحقا للعذاب والقول بأنه لا تكون الرؤية المتجوز بها إلا بصرية فيه نظر وكذا إطلاق القول بأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية إذ لا مانع من ذلك بعد التجوز فلا يرجح كونها علمية قراءة عبد الله أرأيتك بكاف الخطاب المزيدة لتأكيد التاء. والدين الجزاء وهو أحد معانيه ومنه كما تدين تدان وفي معناه قول مجاهد الحساب أو الإسلام كما هو الأشهر ولعله مراد من فسره بالقرآن وكذا من فسره كابن عباس بحكم الله عز وجل وقرأ الكسائي أرأيت بحذف الهمزة كأنه حمل الماضي في حذف همزته على مضارعه