تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٣٩
أبونا قصي كان يدعي مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر فلا يدل على ما زعمه أصلا وهو في الأصل تصغير قرش بفتح القاف اسم لدابة في " البحر " أقوى دوابه تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وبذلك أجاب ابن عباس معاوية لما سأله لم سميت قريش قريشا وتلك الدابة تسمى قرشا كما هو المذكور في كلام الحبر وتسمى قريشا وعليه قول تبع كما حكاه عنه أبو الوليد الأزرقي وأنشده أيضا الحبر لمعاوية إلا أنه نسبه للجمحي: وقريش هي التي تسكن البح‍ * - ر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تت‍ * - رك يوما لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش * يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبي * يكثر القتل فيهم والخموشا وقال الفراء هو من التقرش بمعنى التكسب سموا بذلك لتجارتهم وقيل من التقريش وهو التفتيش ومنه قول الحرث بن حلزة: أيها الشامت المقرش عنا * عند عمرو فهل لنا إبقاء سموا بذلك لأن أباهم كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم وكذا كانوا هم يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها وقيل من التقرش وهو التجمع ومنه قوله: اخوة قرشوا الذنوب علينا * في حديث من دهرهم وقديم سموا بذلك لتجمعهم بعد التفرق والتصغير إذا كان من المزيد تصغير ترخيم وإذا كان من ثلاثي مجرد فهو على أصله وأيا ما كان فهو للتعظيم مثله في قوله: وكل أناس سوف تدخل بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل والنسبة إليه قرشي وقريشي كما في " القاموس " وأجمعوا على صرفه هنا راعوا فيه معنى الحي ويجوز منع صرفه ملحوظا فيه معنى القبيلة للعلمية والتأنيث وعليه قوله: وكفى قريش المعضلات وسادها وعن سيبويه أنه قال في نحو معد وقريش وثقيف هذه الأحياء أكثر وإن جعلت أسماء للقبائل فجائز حسن واللام في لإيلاف للتعليل والجار والمجرور متعلق عند الخليل بقوله فليعبدوا والفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى أن نعم الله تعالى غير محصورة فإن لم يعبدوا لسائر نعمه سبحانه فليعبدوا لهذه النعمة الجليلة ولما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها وقوله تعالى:
* (إيل‍افهم رحلة الشتآء والصيف) * * (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) * بدل من إيلاف قريش ورحلة مفعول به لإيلافهم على تقدير أن يكون من الألفة أما إذا كان من المؤالفة بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي معاهدتهم على أو لأجل رحلة الخ وإطلاق لإيلاف ثم أبدل المقيد منه للتفخيم وروي عن الأخفش أن الجار متعلق بمضمر أي فعلنا ما فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش وقال الكسائي والفراء كذلك إلا أنهما قدرا الفعل بدلالة السياق اعجبوا كأنه قيل أعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة الله تعالى الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه وقرن بالفاء التفريعية وعن الأخفش أيضا أنه متعلق بجعلهم كعصف في السورة قبله والقرآن كله كالسورة الواحدة فلا يضر الفصل بالبسملة خلافا لجمع والمعنى أهلك سبحانه من قصدهم من الحبشة ولم يسلطهم عليهم ليبقوا على ما كانوا عليه من إيلافهم رحلة الشتاء والصيف أو أهلك عز وجل من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترىء عليهم أحد فيتم لهم الأمن في رحلتهم ولا ينافي هذا كون إهلاكهم
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»