تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٢٠
والبر من التبن وتخصيص ما في القلوب لأنه الأصل لأعمال الجوارح ولذا كانت الأعمال بالنيات وكان أول الفكر آخر العمل فجميع ما عمل تابع له فيدل على الجميع صريحا وكناية وقرأ ابن يعمر ونصر بن عاصم ومحمد بن أبي معدان وحصل مبنيا للفاعل وهو ضميره عز وجل وقرأ ابن يعمر ونصر أيضا حصل مبنيا للفاعل خفيف الصاد فما عليه هو الفاعل.
* (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) * * (إن ربهم) * أي المبعوثين كنى عنهم بعد الإحياء الثاني بضمير العقلاء بعدما عبر عنهم قبل ذلك بما بناء على تفاوتهم في الحالين * (بهم) * بذواتهم وصفاتهم وأحوالهم بتفاصيلها * (يومئذ) * أي يوم إذ يكون ما عد من بعث ما في القبور وتحصيل ما في الصدور والظرفان متعلقان بقوله تعالى: * (لخبير) * أي عالم بظواهر ما عملوا وبواطنه علما موجبا للجزاء متصلا به كما يبنىء عنه تقييده بذلك اليوم وإلا فمطلق علمه عز وجل بما كان وما سيكون. وقرأ أبو السماء والحجاج أن ربهم بهم يومئذ خبير بفتح همزة أن وإسقاط لام التأكيد فإن وما بعدها في تأويل مصدر معمول ليعلم على ما استظهره بعضهم وأيد به كون يعلم معلقة عن العلم في * (إن ربهم) * الخ على قراءة الجمهور لمكان اللام وإذا على هذا لا يجوز تعلقها بخبير أيضا لكونه في صلة إن المصدرية فلا يتقدم معموله عليها ويعلم أمره مما تقدم وقيل الكلام على تقدير لام التعليل وهي متعلقة بحصل كأنه قيل وحصل ما في الصدور لأن ربهم بهم يومئذ خبير والأول أظهر والله تعالى أعلم وأخبر.
سورة القارعة مكية بلا خلاف وآيها إحدى عشر آية في الكوفي وعشرة في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر * (القارعة * ما القارعة * ومآ أدراك ما القارعة) * * (ما القارعة * ما القارعة * وما أدريك ما القارعة) * الجمهور على أنها القيامة نفسها ومبدؤها النفخة الأولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق وقيل صوت النفخة وقال الضحاك هي النار ذات التغيظ والزفير وليس بشيء وأيا ما كان فهي من القرع وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد وقد تقدم الكلام فيها وكذا ما يعلم منه إعراب ما ذكر في الكلام على قوله تعالى: * (الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة) * وقرأ عيسى القارعة بالنصب وخرج على أنه بإضمار فعل أي اذكر القاعرة وقوله تعالى:
* (يوم يكون الناس ك الفراش المبثوث) * * (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) * قيل أيضا منصوب باضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها * (اذكر يوم يكون الناس) * الخ فإنه يدريك ما هي وقال الزمخشري ظرف لمضمر دلت عليه القاعرة أي تقرع يوم وقال الحوفي ظرف تأتي مقدرا وبعضهم قدر هذا الفعل مقدما على القارعة وجعلها فاعلا له أيضا وقال ابن عطية ظرف للقارعة نفسها من غير تقدير ولم يبين أي القوارع أراد وتعقبه أبو حيان بأنه إن أراد اللفظ الأول ورد عليه الفصل بين العامل وهو في صلة أل والمعمول بالخبر وهو لا يجوز وإن أراد الثاني أو الثالث فلا يلتئم معنى الظرف معه وأيد بقراءة زيد بن علي يوم بالرفع على ذلك وقدر بعضهم المبتدأ وقتها والفراش قال في " الصحاح " جمع فراشة التي تطير وتهافت في النار وهو المروى عن قتادة وقيل هو طير رقيق يقصد النار ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق وقال الفراء هو غوغاء الجراد الذي ينتشر في الأرض ويركب بعضه بعضا من الهول وقال صاحب التأويلات اختلفوا في تأويله على وجوه لكن كلها ترجع
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»