صرتم إلى المقابر وانتقلتم إلى ذكر من فيها فتكاثرتم بالأموات فالغاية داخلة في المغيا وقد تقدم من سبب النزول ما يوضح ذلك. وعن الكلبي ومقاتل أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم أن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالإحياء والأموات فكثرتهم بنو سهم وزيارة المقابر على ما تقدم على ظاهرها وأما على هذا فقد عبر بها عن بلوغهم ذكر الموتى كناية أو مجازا واستحسن جعله تمثيلا وفي " الكشاف " عبر بذلك عما ذكر تهكما بهم ووجهه بعض بأنه كأنه قيل أنتم في عفلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح وبعض آخر بأن زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سببا للغفلة وهذا أولى والمعنى * (ألهاكم) * ذلك وهو لا يعنيكم ولايجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم وحذف الملهى عنه للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف والمبالغة في الذم حيث أشار إلى أن ما يلهي مذموم فضلا عن الملهى عن أمر الدين وقيل المراد * (ألهاكم التكاثر) * بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاشتياق إليها والتهالك عليها إلى أتاكم الموت لا هم لكم غيرها عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم وصدره قد أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس وهو ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة عن الحسن وزيارة المقابر عليه عبارة عن الموت كما قال الشاعر: إني رأيت الضمد شيئا نكرا * لن يخلص العام خليل عشرا ذاق الضماد أو يزور القبرا وقال جرير: زار القبور أبو مالك * فأصبح ألام زوارها وفي ذلك إشارة إلى تحقيق البعث. يحكى أن أعرابيا سمع ذلك فقال بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فإن الزائد منصرف لا مقيم وعن مر بن عبد العزيز أنه قال لا بد لمن زاد أن يرجع إلى جنة أو نار وفيه أضيا إشارة إلى قصر زمن اللبث في القبور والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو لتغليب من مات أولا أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم. ومما يقضي منهم العجب قول أبي مسلم أن الله عز وجل يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور تكثرا بمن سلف ومباهاة وتفاخرا به لا اتعاظا وتذكرا للآخرة كما هو المشروع ويشير إليه خبر أبي داود نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ولا يخفى أن الآية بمعزل عن ذلك نعم لا كلام في ذم زيارة القبور للتفاخر بالمزور أو للتباهي بالزيارة كما يفعل كثير من الجهلة المنتسبين إلى المتصوفة في زياراتهم لقبور المشايخ عليهم الرحمة هذا مع ما لهم فيها من منكرات اعتقدوها طاعات وشنائع اتخذوها شرائع إلى أمور تضيق عنها صدور السطور وقرأ ابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة آلهاكم بالمد على الاستفهام وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس أيضا والشعبي وأبي العالية وابن أبي عبلة والكسائي في رواية أألهاكم بهمزتين والاستفهام للتقرير.
* (كلا سوف تعلمون) * * (كلا) * ردع عن الاشتغال بما لا يعنيه عما يعنيه وتنبيه على الخطا فيه لأن عاقبته وخيمة * (سوف تعلمون) * سوء مغبة ما أنتم عليه إذا عاينتم عاقبته والعلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد.
* (ثم كلا سوف تعلمون) * * (ثم كلا سوف تعلمون) * تكرير للتأكيد وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ كما يقول العظيم لعبده أقول لك ثم أقول لك لا تفعل قيل ولكونه أبلغ نزل منزلة المغايرة فعطف وإلا فالمؤكد لا يعطف على المؤكد لما بينهما من شدة الاتصال وأنت تعلم أن المنع هو رأي اللغويين وقد صرح المفسرون والنحاة بخلافه. وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه الأول في القبور والثاني في النشور فلا تكرير والتراخي على ظاهره ولا كلام في العطف وقال الضحاك الزجر الأول ووعيده