الأنهار ونحو ذلك عمل من يظن أنه ماله أبقاه حيا والاظهار في مقام الاضمار لزيادة التقرير والتعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد وجوز أن يراد انه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما امامه من قوارع الآخرة أو لزعمه إن الحياة والسلامة عن الأمراض والآفات تدور على مراعاة الأسباب الظاهرة وإن المال هو المحور لكرتها والملك المطاع في مدينتها وقيل المراد انه يحسب المال من المخلدات ولا نظر فيه إلى أن الخلود دنيوي أو أخروي ذكرا أو عينا إنما النظر في إثباتا هذه الخاصة للمال والغرض منه التعريض بأن ثم مخلدا ينبغي للعاقل أن يكب عليه وهو السعي للآخرة وهو بعيد جدا ولذا لم يجعل بعض الأجلة التعريض وجها مستقلا وزعم عصام الدين أنه يحتمل أن يكون فاعل أخلد الحاسب ومفعوله المال أن يظن أن يحفظ ماله أبدا ولا يعرف أنه مرعض للحوادث أو للمفارقة بالموت كما قيل بشر مال البخيل بحادث أو وارث وهو لعمري مما لا عصام له.
* (كلا لينبذن فى الحطمة) * * (كلا) * ردع له عن ذلك الحسبان الباطل أو عنه وعن جمع المال وحبه المفرط على ما قيل واستظهر أنه ردع عن الهمز واللمز وتعقب بأنه بعيد لفظا ومعنى وأنا لا أرى بأسا في كون ذلك ردعا له عن كل ما تضمنته الجمل السابقة من الصفات القبيحة وقوله تعالى: * (لينبذن) * جواب قسم مقدر والجملة استئناف مبين لعلة الردع أي والله ليطرحن بسبب أفعاله المذكورة * (في الحطمة) * أي في النار التي من شأنها أن تحطم كل من يلقي فيها وبناء فعلة لتنزيل الفعل لكونه طبيعيا منزلة المعتاد. والحطم كسر الشيء كالهشم ثم استعمل لكل كسر متناه وأنشدوا: انا حطمنا بالقضيب مصعبا * يوم كسرنا أنفه ليغضبا ويقال رجل حطمة أي أكول تشبيها له بالنار ولذا قيل في أكول. كإنمافي جوفه تنور، وفسر الضحاك الحطمة هنا بالدرك الرابع من النار وقال الكلبي هي الطبقة السادسة من جهنم وحكى القشيري عنه أنها الدرك الثاني وقال الواحدي هي باب من أبواب جهنم وزعم أبو صالح انها النار التي في قبورهم وليس بشيء وقوله تعالى:
* (ومآ أدراك ما الحطمة) * * (وما أدراك ما الحطمة) * لتهويل أمرها ببيان انها ليست من الأمور التي تنالها عقول الخلق وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن بخلاف عنه وابن حيصن وحميد وهرون عن أبي عمرو لينبذان بضمير الاثنين العائد على الهمزة وماله وعن الحسن أيضا لينبذن بضم الذال وحذف ضمير الجمع فقيل هو راجع لكل همزة باعتبار أنه متعدد وقيل له ولعدده أي اتباعه وانصاره بناء على ما سمعت في قراءته هناك وعن أبي عمرو لننبذنه بنون العظمة وهاء النصب ونون التأكيد وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنه في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة.
* (نار الله الموقدة) * * (نار الله) * خبر مبتدأ محذوف والجملة لبيان شان المسؤول عنها أي هي نار الله * (الموقدة) * بأمر الله عز وجل وفي إضافتها إليه سبحانه ووصفها بالايقاد من تهويل ما لا مزيد عليه.
* (التى تطلع على الافئدة) * * (التيب تطلع على الأفئدة) * أي تعلو أوساط القلوب وتغشاها وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد الطف ما في الجسد وأشده تالما بادنى أذى يمسه أو لأنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة والملكات القبيحة ومنشأ الأعمال السيئة فهو أنسب بما تقدم من جميع أجزاء الجسد وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب انه قال في الآية تأكل كل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاد فإذا بلغت فؤاده ابتدأ خلقه وجوز أن يراد الإطلاع العلمي والكلام على سبيل المجاز وذلك أنه لما كان لكل من المعذبين عذاب من النار على قدر ذنبه المتولد من صفات قلبه قيل اناه تطالع الأفئدة التي هي معادن الذنوب فتعلم ما فيها فتجازي كلا بحسب ما فيه من الصفة المقتضية للعذاب. وأرباب الإشارة يقولون ان