تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٢٧
بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر وقوله سبحانه: * (بل لا تكرمون اليتيم) * الخ انتقال وترق من ذمه بالقبيح من القول إلى الأقبح من الفعل والالتفات إلى الخطاب لتشديد التقريع وتأكيد التشنيع وقيل هو بتقدير قل فلا التفات نعم فيه من الإشارة إلى تنقيصهم ما فيه والجمع باعتبار معنى الإنسان إذا المراد هو الجنس أي بل لكن أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر وأدل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله تعالى بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة به والإحسان إليه وفي الحديث أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمرو لا يكرمون بياء الغيبة.
* (ولا تحاضون على طعام المسكين) * * (ولا تحاضون) * بحذف احدى التاءين من تتحاضون أي ولا يحض ويحث بعضكم بعضا * (على طعام المسكين) * أي على اطعامه فالطعام مصدر بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء وزعم أبو حيان أن الأولى أن يراد به الشيء المطعوم ويكون الكلام على حذف مضاف أي على بذلك طعام المسكين والمراد بالمسكين ما يعم الفقير وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن علي وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي كقراءة الجماعة إلا أنهم ضموا تاء تحاضون من المحاضة وقرأ أبو عمرو ومن سمعت الحسن ومن معه ولا يحضون بياء الغيبة ولا ألف بعد الحاء وباقي السبعة بتاء الخطاب كذلك وكذا الفعلان بعد والفعل على القراءتين جوز أن يكون متعديا ومفعوله محذوف فقيل أنفسهم أو أنفسكم وقيل أهليهم أو أهليكم وقيل أحدا وجوز وهو الأولى أن يكون منزلا منزلة اللازم للتعميم.
* (وتأكلون التراث أكلا لما) * * (وتأكلون التراث) * أي المراث وأصله وراث فابدلت الواو تاء كما في نخمنة وتكأة ونحوهما. * (أكلا لما) * أي ذا لم أو هو نفس اللم على المبالغة واللم الجمع ومنه قول النابغة: ولست بمستبق أخالا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب والمراد به هنا الجمع بين الحلال والحرام وما يحمد وما لا يحمد ومنه قول الخطيئة. إذا كان لما يتبع الذم ربه * فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا يعني إنكم تجمعون في أكلكم بين نصيبكم من الميراث ونصيب غيركم ويروى أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد فيأكلون نصيبهم ويقولون لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمى الحوزة هذا وهم يعلمون من شريعة اسماعيل عليه السلام أنه يرثون فاندفع ما قيل إن السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا يعلم الحل والحرمة إلا من الشرع فإن الحسن والقبح العقليين ليسا مذهبا لنا وقيل يعني تأكلون ما جمعه الميت المورث من حلال وحرام عالمين بذلك فتلمون في الأكل بين حلاله وحرامه. وفي الكشاف يجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا من غير أن يعرق فيه جبينه فيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه ونحوها كما يفعله الوارث البطالون وتعقب بأنه غير مناسب للسياق.
* (وتحبون المال حبا جما) * * (وتحبون المال حبا جما) * أي كثيرا كما قال ابن عباس وأنشد قول أمية: إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما والمراد إنكم تحبونه مع حرص وشره.
* (كلا إذا دكت الارض دكا دكا) * * (كلا) * ردع لهم عن ذلك وقوله تعالى: * (إذا دكت الأرض دكا دكا) * إلى آخره استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للردع والدك قال الخليل كسر الحائط والجبل ونحوهما وتكريره للدلالة على الاستيعاب فليس الثاني تأكيدا للأول بل ذلك نظير الحال في نحو قولك جاؤوا رجلا رجلا وعلمته الحساب بابا بابا أي
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»