تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٢٦
على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه وخالفهم في ذلك الرضى ومن تبعه كالبدر الدماميني في شرح المغنى فقالوا إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه من الاغراض فإن كان ثمت فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وان جاز أما طعامك فزيد آكل وقالوا في ذلك إنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه وزعم الجلبي محشي المطول ان هذا متفق عليه فرد به على المفسرين أعرابهم السابق وقال إنه خطأ والصواب أن يجعل الظرف متعلقا بمقدر وهو المبتدأ في الحقيقة والتقدير فأما شأن الإنسان إذا الخ فالظرف من تتمة الجزء المفصول وبه ليس فاصلا ثانيا كقولك أما أحسان زيد إلى الفقير فحسن ويرد على تقديره أنه لا يصح وقوع جملة يقول خبرا عن الشأن إلا بتعسف كأن يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وهو فرار من السحاب إلى الميزاب وذهب أبو البقاء إلى أن إذا شرطية وقوله تعالى فيقول جوابها والجملة الشرطية خبر الإنسان ويلزمه حذف الفاء بدون القول وقد قيل إنه ضرورة وقوله عز وجل.
* (وأمآ إذا ما ابتل‍اه فقدر عليه رزقه فيقول ربىأهانن) * * (وأما إذا ما ابتلاه) * عامله معاملة من يبتليه ويختبره بالحاجة والتفقير ليرى هل يصبر أم لا * (فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) * بتقدير وأما هو أي الإنسان إذا ما ابتلاه الخ ليصح التفصيل ويتم التوازن وبقية الكلام فيه كما في سابقه والظاهر أن كلتا الجملتين متضمنة لإنكار قول الإنسان الذي تضمنته وإنكار قوله إذا ضيق عليه رزقه ربي أهانن لدلالته على قصور نظره وسوء فكره حيث حسب أن تضييق الرزق إهانة مع أنه قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولعدم كونه إهانة أصلا لم يقل سبحانه في تفسير الابتلاء فإهانه وقدر عليه رزقه نظير ما قال سبحانه أولا فاكرمه ونعمه وإنكار قوله إذا أكرم ربي أكرمني مع قوله تعالى فاكرمه أولا من حيث أنه أثبت إكرام الله تعالى له على خلاف ما أثبت الله تعالى وهو قصد أن الله تعالى أعطاه ما أعطاه إكراما له مستحقا ومستوجبا قصدا جاريا على ما كانوا عليه من افتخارهم وزعمهم جلالة أقدارهم والحاصل أن المنكر كونه عن استحقاق لحسب أو نسب وفي المفصل ما يدل على أن أصل الإكرام منكر لا كونه عن استحقاق وإنكار أصل الإهانة يعضده ووجهه ما أثبته تعالى من الإكرام إن الله عز وجل أثبت الإكرام بإيتاء المال والتوسعة وهو جعله إكراما كليا مثبتا للزلفى عنده تعالى فإنكار أنه ليس من ذلك الإكرام في شيء وجوز أن يكون الإنكار إنكارا للإهانة فقط يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله تعالى وإكرامه وإذا لم يتفضل عليه سمي ترك التفضل هوانا وليس به قيل ويعضده ذكر الإكرام في قوله تعالى فأكرمه وفي الآية مع ما بعد شمة من أسلوب قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ولا يخفى أن الوجه هو الأول وقرأ ابن كثير أكرمني وأهانني بإثبات الياء فيهما ونافع بإثباتها وصلا وحذفها وقفا وخير في الوجهين أبو عمرو وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا ومن حذفها وقفا سكن النون فيه وقرأ أبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه وابن عامر فقدر بتشديد الدال للمبالغة.
* (كلا بل لا تكرمون اليتيم) * * (كلا) * ردع للإنسان عن قوليه المحكيين وتكذيب له فيهما لا عن الأخير فقط كما في الوجه الأخير وقد نص الحسن على ما قلنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المعنى لم أبتله بالغنى لكرامته على ولم أبتله
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»