وقرأ أبو سلمة الذين هم على صلاتهم دائمون وأخرج أحمد في مسنده عنها أنها قالت كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة قال جار الله أي ما فعل من أفعال الخير إلا وقد اعتاد ذلك ويفعله كلما جاء وقته ووجه بأن الفعلة للحالة التي يستمر عليها الشخص ثم في جعله نفس الحالة ما لا يخفى من المبالغة والدلالة على أنه كان ملكة له عليه الصلاة والسلام وقيل دائمون أي لا يلتفتون فيها ومنه الماء الدائم وروى ذلك عن عمران بن حصين وكذا عن عقبة بن عامر أخرج ابن المنذر عن أبي الخير أن عقبة قال لهم من الذين هم على صلاتهم دائمون قال قلنا الذين لا يزالون يصلون فقال لا ولكن الذين إذا صلوا لم يلتفتوا عن يمين ولا شمال وإليه ذهب الزجاج فتشعر الآية بذم الالتفات في الصلاة وقد نطقت الأخبار بذلك واستدل بعضهم بها على أنه كبيرة وتحقيقه في " الزواجر " وعن ابن مسعود ومسروق أن دوامها أداؤها في مواقيتها وهو كما ترى ولعل ترك الالتفات والأداء في الوقت يتضمنه ما يأتي من المحافظة إن شاء الله تعالى والمراد بالصلاة على ما أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي الصلاة المكتوبة وعن الإمام أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أن المراد بها النافلة وقيل ما أمروا به مطلقا منها وقرأ الحسن صلواتهم بالجمع.
* (والذين فىأموالهم حق معلوم) * أي نصيب معين يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله تعالى وإشفاقا على الناس وهو على ما روى عن الإمام أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ما يوظفه الرجل على نفسه يؤديه في كل جمعة أو كل شهر مثلا وقيل هو الزكاة لأنها مقدرة معلومة وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت وعين مقدارها في المدينة وقبل ذلك كانت مفروضة من غير تعيين.
* (للسآئل والمحروم) * * (للسائل) * الذي يسأل * (والمحروم) * الذي لا يسأل فيظن أنه غني فيحرم واستعماله في ذلك على سبيل الكناية ولا يصح أن تراد به من يحرمونه بأنفسهم للزوم التناقض كما لا يخفى * (والذين يصدقون بيوم الدين) * * (والذين يصدقون بيوم الدين) * المراد التصديق به بالأعمال حيث يتعبون أنفسهم في الطاعات البدنية طمعا في المثوبة الأخروية لأن التصديق القلبي عام لجميع المسلمين لا امتياز فيه لأحد منهم وفي التعبير بالمضارع دلالة على أن التصديق والأعمال تتجدد منهم آنا فآنا.
* (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) * * (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) * خائفون على أنفسهم مع ما لهم من الأعمال الفاضلة استقصارا لها واستعظاما لجنابه عز وجل كقوله تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون وقوله سبحانه:
* (إن عذاب ربهم غير مأمون) * * (إن عذاب ربهم غير مأمون) * اعتراض مؤذن بأنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذابه عز وجل وإن بالغ في الطاعة كهؤلاء ولذا كان السلف الصالح وهم هم خائفين وجلين حتى قال بعضهم يا ليتني كنت شجرة تعضد وآخر ليت أمي لم تلدني إلى غير ذلك.
* (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين * فمن ابتغى ورآء ذالك فأولائك هم العادون) * * (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * سبق تفسيره في سورة المؤمنين على وجه مستوفي فتذكره.
* (والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون) *.
* (والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون) * لا يخلون بشيء من حقوقها وكأنه لكثرة الأمانة جمعت ولم يجمع العهد قبل إيذانا بأنه ليس كالأمانة كثرة وقيل لأنه مصدر ويدل على كثرة الأمانة ما روى الكلبي كل أحد مؤتمن على ما اقترض عليه من العقائد والأقوال والأحوال والأفعال ومن الحقوق في الأموال وحقوق الأهل والعيال وسائر الأقارب والمملوكين والجار وسائر المسلمين وقال السدي أن حقوق الشرع كلها أمانات قد قبلها المؤمن وضمن أداءها بقبول الايمان وقيل كل ما أعطاه الله تعالى للعبد من الأعضاء وغيرها أمانة عنده فمن استعمل ذلك في غير ما أعطاه لأجله وأذن سبحانه له به فقد خان الأمانة والخيانة فيها وكذا الغدر بالعهد من الكبائر على ما نص غير واحد وقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر مرفوعا أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه