وقوله تعالى:
* (سنريهم ءاياتنا فى الافاق وفىأنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد) *.
* (ستريهم آياتنا في الآفاق) * الخ مرتبط على ما اختاره " صاحب الكشاف " بقوله تعالى: * (قل أرأيتم) * الخ على وجه التتميم والإرشاد إلى ما ضمن من الحث على النظر ليؤدي إلى المقصود فيهدوا إلى إعجازه ويؤمنوا بماجاء به ويعملوا بمقتضاه ويفوزوا كل الفوز، وفسر الآيات بما أجرى الله تعالى على يد نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أيدي خلفائه وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم من الفتوحات الدالة على قوة الإسلام وأهله ووهن الباطل وحزبه، والآفاق النواحي الواحد أفق بضمتين وأفق بفتحتين أي سنريهم آياتنا في النواحي عموما من مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، وفيه أن هذه الإراءة كانئة لا محالة حق لا يحوم حولها ريبة * (وفي أنفسهم) * في بلاد العرب خصوصا وهو من عطف جبريل على ملائكته، وفي العدول عنها إلى المنزل ما لا يخفى من تمكين ذلك النصر وتحقيق دلالته على حقية المطلوب إثباته وإظهار أن كونه آية بالنسبة إلى الأنفس وإن كان كونه فتحا بالنسبة إلى الأرض والبلدة * (حتى يتبين) * يظهر * (لهم أنه) * أي القرآن هو * (الحق) * الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو الحق كله من عند الله تعالى المطلع على كل غيب وشهادة فلهذا نصر حاملوه وكانوا محقين، وفي التعريف من الفخامة ما لا يخفى جلالة وقدرا، وفيما ذكر إشارة إلى أنه تعالى لا يزال ينشيء فتحا بعد فتح وآية غب آية إلى أن يظهر على الدين كله ولو كره المشركون فانظر إلى هذه الآية الجامعة كيف دلت على حقية القرآن على وجه تضمن حقية أهله ونصرتهم على المخالفين وأعظم بذاك تسليا عما أشعرت به الآية السابقة من انهماكهم في الباطل إلى حد يقرب من اليأس، وقيل: الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام أو الدين أو التوحيد ولعل الأول أولى * (أو لم يكف بربك) * استئناف وارد لتوبيخهم على إنكارهم تحقق الإراءة.
والهمزة للإنكار والواو على أحد الرأيين للعطف على مقدر دخلت عليه الهمزة يقتضيه المقام والباءة مزيدة للتأكيد و * (ربك) * فاعل كفى وزيادة الباء في فاعلها هو القول المشهور المرضى للنحاة وتزاد في فاعل فعل التعجب أيضا نحو أحسن بزيد فإن أحسن فعل ماض جيء به على صيغة الأمر والباء زائدة وزيد فاعل عند جماعة من النحويين ولا تكاد تزاد في غيرهما، وقوله: ألم يأتيك والانباء تنمى * بما لاقت لبون بني زياد شاذ قبيح على ما قال الشهاب، وقوله تعالى: * (أنه على كل شيء شهيد) * بدل من الفاعل بدل اشتمال، وقيل: هو بتقدير حرف الجر أي أو لم يكفهم ربك بأنه الخ، وما للنحويين في مثل هذا التركيب من الكلام شهير، أي انكروا إراءة ذلك الدالة على حقية القرآن ولم يكفهم دليلا أنه عز وجل مطلع على كل شيء عالم به ومن ذلك حالهم وحالك الموجبان حكمة نصرك عليهم وخذلانهم، وكأن ذلك لظهوره نزل منزلة المعلوم لهم.
وفي " الكشف " أي أو لم يكفهم أن ربك سبحانه مطلع على كل شيء يستوي عنده غيب الأشياء وشهادتها على معنى أو لم يكفهم هذه الإراءة دليلا قاطعا ولما كان ما وعده غيبا عنهم كيف وقد نزل وهم في حال ضعف وقلة يقاسون ما يقاسون من مشركي مكة قيل: أو لم يكفهم إطلاع من هذا الكتاب الحق من عنده على كل غيب وشهادة دليلا على كينونة الإراءة وإحضار ذلك الغيب عندهم إذ لا غيب بالنسبة إليه تعالى، وفي العدول إلى هذه العبارة فائدتان. إحداهما: تحقيق إنجاز ذلك الموعود كأنه مشاهد بذكر الدليل القاطع على الوقوع. والثانية الدلالة