تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٢
صب العذاب عليهم لكنه صرف عنهم لسبق رحمته عز وجل، والآية عليه واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية والعظمة، والأول أولى في هذا المقام لأن الكلام مسوق لبيان عظمته تعالى وعلوه جل جلاله ويؤيده ترك العاطف، ويليه ما روي عن الحبر فإن الآية وإن تضمنت عليه الغرض المسوق له الكلام لكن دلالتها عليه بناء على القول الأول أظهر.
وقرأ البصريان. وأبو بكر * (ينفطرن) * بالنون، والأول أبلغ لأن المطاوع والمطاوع من التفعيل والتفعل الموضوع للمبالغة بخلاف الثاني فإنه انفعال مطاوع للثلاثي، وروى يونس عن أبي عمرو أنه قرأ * (تتفطرن) * بتاءين ونون في آخره على ما في " الكشاف "، و * (تنفطرن) * بتاء واحدة ونون على ما في " البحر " عن ابن خالويه وهو على الروايتين شاذ عن القياس والاستعمال لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث فلا تقول النساء تقمن ولا الوالدات ترضعن، والوجه فيه تأكيد التأنيث كتأكيد الخطاب في أرأيتك؛ ومثله ما رواه أبو عمر الزاهد في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن.
* (من فوقهن) * أي يبتدأ التفطر من جهتهن الفوقانية، وتخصيصها على الأول في سبب التفطر لما أن أعظم الآيات وأدلها على العظمة والجلال كالعرش والكرسي والملائكة من تلك الجهة ولذا كانت قبلة الدعاء، وعلى الثالث للدلالة على التفطر من تحتهن بالطريق الأولى لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض حين أثرت من جهة الفوق فلأن تؤثر من جهة التحت أولى، وكذا على الثاني لأن العادة تفطر سطح البيت مثلا من جهة التحتانية بحصول ثقل عليه، وقيل: الضمير للأرض أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير وهو خلاف الظاهر، وقال علي بن سليمان الأخفش: الضمير للكفار والمراد من فوق الفرق والجماعات الملحدة، وبهذا الاعتبار أنث الضمير، وفي ذلك إشارة إلى أن التفطر من أجل أقوال هاتيك الجماعات، وفيه ما فيه.
* (والملائكة يسبحون بحمد ربهم) * ينزهونه سبحانه عما لا يليق به جل جلاله ملتبسين بحمده عز وجل، وقيل: يصلون والظاهر العموم في الملائكة، وقال مقاتل: المراد بهم حملة العرش * (ويستغفرون لمن في الأرض) * بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وترتيب الأمور المقربة إلى الطاعة كالمعاونة في بعض أمور المعاش ودفع العوائق واستدعاء تأخير العقوبة طمعا في إيمان الكافر وتوبة الفاسق وهذا يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد، وهو فيما ذكر مجاز مرسل أو استعارة.
وقال السدي. وقتادة: المراد بمن في الأرض المؤمنون لقوله تعالى في آية أخرى: * (ويستغفرون للذين آمنوا) * والمراد بالاستغفار عليه حقيقته، وقيل: الشفاعة.
* (ألا إن الله هو الغفور الرحيم) * إذ ما من مخلوق إلا وله حظ عظيم من رحمته تعالى وأنه سبحانه لذو مغفرة للناس على ظلمهم، وفيه إشارة إلى قبول استغفار الملائكة عليهم السلام وأنه سبحانه يزيدهم على ما طلبوه من المغفرة رحمة، والآية على كون قوله تعالى: * (تكاد السموات يتفطرن) * لبيان عظمته جل شأنه مقررة لما دل عليه ذلك ومؤكدة له لأن تسبيح الملائكة وتنزيههم له تعالى لمزيد عظمته تبارك وتعالى وعظيم جلاله جل وعلا والاستغفار لغيرهم للخوف عليهم من سطوة جبروته عز وجل والتذييل بقوله تعالى: * (ألا إن الله) * الخ
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»