تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٣
وفيه تهكم بهم وتفريع لهم، و * (يوم) * منصوب باذكر أو ظرف لمضمر مؤخر قد ترك إيذانا بقصور البيان عنه كما في قوله تعالى: * (يوم يجمع الله الرسل) * (المائدة: 109) وضمير * (يناديهم) * عام في كل من عبد غير الله تعالى فيندرج فيه عبدة الأوثان.
* (قالوا) * أي أولئك المنادون * (ءاذناك) * أي أعلمناك والمراد بالإعلام هنا الإخبار لأنه تعالى عالم فلا يصح إعلامه بما هو سبحانه عالم به بخلاف الأخبار فإنه يكون للعالم فكأنه قيل أخبرناك * (ما منا من شهيد) * أي بأنه ليس منا أحد يشهد لهم بالشركة فالجملة في محل نصب مفعول * (آنذاك) * وقد علق عنها وفي تعليق باب أعمل وأنبأ خلاف والصحيح أنه مسموع في الفصيح، و * (شهيد) * فعيل من الشهادة ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم لأن الكفرة يوم القيامة أنكروا عبادة غيره تعالى مرة وأقروا بها وتبرؤا عنها مرة أخرى وفسره السمرقندي بالانكار لعبادتهم غير الله تعالى وشركهم كذبا منهم وافتراء كقوله تعالى حكاية عنهم: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) وظاهر * (آذناك) * يقتضي سبق الإيذان في جواب أين شركائي وإنما سئلوا ثانيا حتى أجابوا بأنه قد سبق الجواب لأنه توبيخ وفي إعادة التوبيخ من تأكيد أمر الجناية وتقبيح حال من يرتكبها ما لا يخفى، واستظهر أبو حيان أن المراد إحداث إيذان لا إخبار عن إيذان سابق على نحو طلقت وأمثاله، وجوز أن يقال: إنه إخبار باعلام سابق وذلك الإعلام السابق ما علمه تعالى من بواطنهم يوم القيامة أنهم لم يبقوا على الشرك وعلى تلك الشهادة وكأنه إعلام منهم بلسان الحال وهذا لا يقتضي سبق سؤال ولا جواب وفيه حسن أدب كأنهم يقولون أنت أعلم به ثم يأخذون في الجواب.
قال في " الكشف ": وهذا الوجه هو المختار لاشتماله على النكتة المذكورة وما في الآخرين من سوء الأدب؛ ويحتمل أن يكون المعنى آذناك بأنه ليس منا أحد يشاهدهم فشهيد من الشهود بمعنى الحضور والمشاهدة ونفي مشاهدتهم الظاهر أنه على الحقيقة وذلك في موقف وجعل بعض العبدة مقرين بمعبوداتهم في آخر فلا تنافي بينهما، وقيل: هو كناية عن نفي أن يكون له تعالى شريك نحو قولك: لا نرى لك مثلا تريد لا مثل لك لنراه، والكلام في * (آذناك) * على ما آذناك، وقيل: ضمير * (قالوا) * للشركاء أي قال الشركاء: ليس من أحد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين فشهيد من الشهادة لا غير، والمراد التبرؤ منهم وفيه تفكيك الضمائر، ومعنى قوله تعالى:
* (وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص) *.
* (وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل) * على ما قيل: إن شركاءهم الذين كانوا يدعونهم من قبل ويرجون نفعهم غابوا عنهم على أن الضلال على معناه الحقيقي وهو الذي يقابل الوجدان أو أن شركاءهم لم ينفعوهم بشيء على أن الضلال مجاز عن عدم النفع و * (ما) * اسم موصول عبارة عن الشركاء، ويحسن جمع من يعقل ومن لا يعقل في التعبير بما في مثل هذا المقام، وجوز أن تكون ما عبارة عن القول الذي كانوا يقولونه في شأن الشركاء من أنهم آلهة وشركاء لله سبحانه وتعالى، والمعنى نسوا ما كانوا يقولونه في شأن شركائهم من نسبة الألوهية إليهم، ولك أن تجعلها مصدرية والجملة يحتمل أن تكون حالا وإن تكون اعتراضا، وذكر بعض الأجلة أنه يتعين الأخير على القول بأن ضمير * (قالوا) * للشركاء وكون الضلال مجازا عن عدم النفع فتدبر * (وظنوا) * أي أيقنوا كما قال السدي وغيره لأنه لا احتمال لغيره هنا والظن يكون بمعنى العلم كثيرا * (ما لهم من محيص) * أي مهرب، والظاهر أن الجملة في محل نصب سادة مسد مفعولي ظن وهي معلقة عنها بحرف النفي، وقيل: تم الكلام عند قوله تعالى: * (وظنوا) * والظن
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»