تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٥
إرادة تعظيمه قال زهير: فعرض إذا ما جئت بالبان والحمى * وإياك أن تنسى فتذكر زينبا سيكفيك من ذاك المسمى إشارة * فدعه مصونا بالجلال محجبا ومن هنا قال الطيبي: إن ما هنا وارد على التهكم. وقرىء * (ونآ) * بإمالة الألف وكسر النون للاتباع * (وناء) * على القلب كما قالوا راء في رأى * (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) * أي كثير مستمر مستعار مما له عرض متسع وأصله مما يوصف به الأجسام وهو أقصر الامتدادين وأطولهما هو الطول، ويفهم في العرف من العريض الاتساع وصيغة المبالغة وتنوين التكثير يقويان ذلك، ووصف الدعاء بما ذكر يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لا بد أن يكون أزيد من العرض وإلا لم يكن طولا، والاستعارة في كل من الدعاء والعريض جائزة ولا يخفى كيفية إجرائها.
وذكر بعض الأجلة أن الآيات قد تضمنت ضربين من طغيان جنس الإنسان فالأول: في بيان شدة حرصه على الجمع وشدة جزعه على الفقد والتعريض بتظليم ربه سبحانه في قوله: * (هذا لي) * مدمجا فيه سوء اعتقاده في المعاد المستجلب لتلك المساوي كلها، والثاني: في بيان طيشه المتولد عنه إعجابه واستكباره عند وجود النعمة واستكانته عند فقدها وقد ضمن في ذلك ذمه بشغله بالنعمة عن المنعم في الحالتين، أما في الأول: فظاهر، وأما في الثاني: فلأن التضرع جزعا على الفقد ليس رجوعا إلى المنعم بل تأسف على العقد المشغل عن المنعم كل الاشغال، وذكر أن في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية أي العقل ضعيف المنة أي القوة فإن اليأس والقنوط ينافيان الدعاء العريض وأنه عند ذلك كالغريق المتمسك بكل شيء انتهى، ومنه يعلم جواب ما قيل: كونه يدعو دعاء عريضا متكررا ينافي وصفه بأنه يؤس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجال يأباه، وأجاب آخرون بأنه يجوز أن يقال: الحال الثاني شأن بعض غير البعض الذي حكى عنه اليأس والقنوط أو شأن الكل في بعض الأوقات، واستدل بعضهم بقوله تعالى: * (فذو دعاء عريض) * على أن الايجاز غير الاختصار وفسره لهذه الآية بحذف تكرير الكلام مع اتحاد المعنى والإيجاز بحذف طوله وهو الاطناب وهو استدلال بما لا يدل إذ ليس فيها حذف ذلك العرض فضلا عن تسميته.
* (قل أرءيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو فى شقاق بعيد) *.
* (قل أرأيتم) * الخ رجوع لإلزام الطاعنين والملحدين وختم للسورة بما يلتفت لفت بدئها وهو من الكلام المنصف وفيه حث على التأمل واستدراج للإقرار مع ما فيه من سحر البيان وحديث الساعة وقع في البين تتميما للوعيد وتنبيها على ما هم فيه من الضلال البعيد كذا قيل، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط الكلام في ذلك، ومعنى * (أرأيتم) * أخبروني * (إن كان) * أي القرآن * (من عند الله ثم كفرتم به) * مع تعاضد موجبات الايمان به، و * (ثم) * كما قال النيسابوري للتراخي الرتبي * (من أضل ممن هو في شقاق) * أي خلاف * (بعيد) * غاية البعد عن الحق، والمراد ممن هو في شقاق المخاطبون، ووضع الظاهر موضع ضميرهم شرحا لحالهم بالصلة وتعليلا لمزيد ضلالهم، وجملة * (من أضل) * على ما قال ابن الشيخ سادة مسد مفعولي * (رأيتم) * وفي " البحر " المفعول الأول محذوف تقديره أرأيتم أنفسكم والثاني هو جملة الاستفهام، وأيا ما كان فجواب الشرط محذوف، قال النيسابوري: تقديره مثلا فمن أضل منكم، وقيل: إن كان من عند الله ثم كفرتم به فأخبروني من أضل منكم، ولعله الأظهر.
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»