تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٤
على ظاهره أي وترجح عندهم أن قولهم: * (ما منا من شهيد) * منجاة لهم أو أمر يموهون به، والجملة بعد مستأنفة أي لا يكون لهم منجي أو موضع روغان.
* (لا يس‍ام الانس‍ان من دعآء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط) *.
* (لا يسئم الإنسان) * لا يمل ولا يفتر * (من دعاء الخير) * من طلب السعة في النعمة وأسباب المعيشة، * (ودعاء) * مصدر مضاف للمفعول وفاعله محذوف أي من دعاء الخير هو.
وقرأ عبد الله * (من دعاء بالخير) * بباء داخلة على الخير * (وإن مسه الشر) * الضيقة والعسر * (فيؤس قنوط) * أي فهو يؤس قنوط من فضل الله تعالى ورحمته، وهذا صفة الكافر، والآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: في عتبة بن ربيعة وقد بولغ في يأسه من جهة الصيغة لأن فعولا من صيغ المبالغة ومن جهة التكرار المعنوي فإن القنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ولما كان أثره الدال عليه لا يفارقه كان في ذكره ذكره ثانيا بطريق أبلغ، وقدم اليأس لأنه صفة القلب وهو أن يقطع رجاءه من الخير وهي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من التضاؤل والانكسار.
* (ولئن أذقن‍اه رحمة منا من بعد ضرآء مسته ليقولن ه‍اذا لى ومآ أظن الساعة قآئمة ولئن رجعت إلى ربىإن لى عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ) *.
* (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته) * أي لئن فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق أو غير ذلك * (ليقولن ه‍اذا لي) * أي حقي استحقه لما لي من الفضل والعمل لا تفضل من الله عز وجل فاللام للاستحقاق أو هو لي دائما لا يزوال فاللام للملك وهو يشعر بالدوام ولعل الأول أقرب.
* (وما أظن الساعة قائمة) * أي تقوم فيما سيأتي * (ولئن رجعت إلى ربي) * على تقدير قيامها * (إن لي عنده للحسنى) * أي للحالة الحسنى من الكرامة، والتأكيد بالقسم هنا ليس لقيام الساعة بل لكونه مجزيا بالحسنى لجزمه باستحقاقه للكرامة لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا لاستحقاقه له وإن نعم الآخرة كذلك فلا تنافي بين أن التي الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقن وبين التأكيد بالقسم وإن واللام وتقديم الظرفين وصيغة التفضيل * (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) * لنعلمنهم بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم بعكس ما اعتقدوا فيها فيظهر لهم أنهم مستحقون للإهانة لا الكرامة كما توهموا * (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) * لا يمكنهم التفصي عنه لشذته فهو كوثاق غليظ لا يمكن قطعه.
* (وإذآ أنعمنا على الإنس‍ان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعآء عريض) *.
* (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض) * عن الشكر * (ونأى بجانبه) * تكبر واختال على أن الجانب بمعنى الناحية والمكان ثم نزل مكان الشيء وجهته كناية منزلة الشيء نفسه، ومنه قوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه) * (الرحمان: 46) وقول الشاعر: ذعرت به القطا ونفيت عنه * مقام الذئب كالرجل اللعين وقول الكتاب حضرة فلان ومجلسه العالي وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريد نفسه وذاته فكأنه قيل: نأى بنفسه ثم كنى بذهب بنفسه عن التكبر والخيلاء، وجوز أن يراد * (بجانبه) * عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا ثنى عطفه وتولى بركنه والأول مشتمل على كنايتين، وضع الجانب موضع النفس والتعبير عن التكبر البالغ بنحو ذهب بنفسه وهذا على واحدة على ما في " الكشف "، وجعل بعضهم الجانب والجنب حقيقة كالعطف في الجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة فلا تغفل، وعن أبي عبيدة نأى بجانبه أي نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه، والباء للتعدية ثم إن التعبير عن ذات الشخص بنحو المقام والمجلس كثيرا ما يكون لقصد التعظيم والاحتشام عن التصريح بالاسم وهو يتركون التصريح به عند
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»