العماء قد انبسط على الحقائق التي هي أمرو عدمية متميزة في نفس الأمر والانبساط حادث والعماء من حيث اقترانه بالماهيات غير ذات الحق تعالى فإنه سبحانه الوجود المحض الغير المقترن بها فالموجودات صور حادثة في العماء قائمة به والله تعالى قيومها لأنه جل وعلا الأول الباطن الممد لتلك الصور بالبقاء ولا يلزم من ذكل قيام الحوادث بذات الحق تعالى ولا كونه سبحانه مادة لها لأن وجوده تعالى مجرد عن الماهيات غير مقترن بها والمتعين بحسبها هو العماء الذي هو الوجود المفاض فأراد ابن عباس أن الأشياء جميعا منه تعالى أي من نوره سبحانه المضاف الذي هو العماء والوجود المفاض منه تعالى بآيجاده جل شأنه، وبهذا ينطبق الجواب على السؤال من غير تكلف ولا محذور، ولو كان مراد ابن عباس مجرد ما ذكره البيهقي من أن مصدر الجميع من خلقه تعالى كان يكفي في ذلك قوله تعالى: * (الله خالق كل شيء) * (الرعد: 16) لكن السؤال إنما وقع بمم ووقع الجواب بمنه في تلاوته الآية فالظاهر أن ما فهمه السائل من تلاوته رضي الله تعالى عنه ليس مجرد ما ذكره بقرينة مدحه بقوله: ما كان ليأتي بهذا الخ فإن ما ذكره البيهقي يعرفه كل من آمن بقوله تعالى: * (الله خالق كل شيء) * فلا يظهر حينئذ وجه لقول كل من ابن عمرو. وابن الزبير لا أدري فإنهما من أفضل المؤمنين بأن الله تعالى خالق كل شيء بل ما فهمه هو ما أشرنا إليه اه، وعليه عامة أهل الوحدة * (وأجاب الأولون) * بأن مراد ابن عباس قطع التسليل في السؤال بعد ذكر مادة لبعضها بأن مرجع الأمر أن الأشياء كلها خلقت بقدرته تعالى لا من شيء وهو كلام حكيم يمدح قائله لم يهتد إليه ابن الزبير. وابن عمرو، ولا يعكر على هذا قوله تعالى: * (أم خلقوا من غير شيء) * لما قاله المفسرون فيه وسيأتي إن ساء الله تعالى في محله فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك، وقد أورد الحسين بن علي بن واقد في مجلس الرشيد هذه الآية ردا على بعض النصارى في زعمه ان قوله تعالى في عيسى عليه السلام: " وروحا منه " يدل على ما يزعمه فيه عليه السلام من أنه ابن الله سبحانه وتعالى عما يصفون.
وحكى أبو الفتح. وصاحب اللوامح عن ابن عباس. وعبد الله بن عمرو. والجحدري. وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهم قرؤوا " منة " بكسر الميم وشد النون ونصب التاء على أنه مفعول له أي سخر لكم ذلك نعمة عليكم، وحكاها عن ابن عباس أيضا ابن خالويه. ولكن قال أبو حاتم: إن سند هذه القراءة إليه مظلم فإذا صح السند يمكن أن يقال فيما تقدم من حديث طاوس: إنه ذكر الآية على قراءة الجمهور ويحتمل أن له قراءتين فيها.
وقرأ مسلمة بن محارب كذلك إلا أنه ضم التاء على تقدير هو أو هي منة، وعنه أيضا فتح الميم وشد النون وهاء الكتابة عائدة على الله تعالى أي انعامه وهو فاعل " سخر " على الإسناد المجازي كما تقول: كرم الملك أنعشني أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا أو هو منه تعالى، وجوزت الفاعلية في قراءته الأولى، وتذكير الفعل لأن الفاعل ليس مؤنثا حقيقيا مع وجود الفاصل، والوجه الأول أولى وإن كان فيه تقدير * (إن في ذالك) * أي فيما ذكر * (لآيات) * عظيمة الشأن كثيرة العدد * (لقوم يتفكرون) * في بدائع صنعه تعالى وعظائم شأنه جل شأنه فإن ذلك يجرهم إلى الإيمان والإيقان والشكر.
* (قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) *.
* (قل للذين آمنوا يغفروا) * حذف المقول لدلالة " يغفروا " عليه فإنه جواب للأمر باعتبار تعلقه به لا باعتبار نفسه فقط أي قل لهم اغفروا يغفروا * (للذين لا يرجون أيام الله) * أي يعفوا ويصفحوا عن