تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٤٤
بآيات الله عز وجل:
* (من ورآئهم جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أوليآء ولهم عذاب عظيم) *.
* (من ورائهم جهنم) * أي من قدامهم لأنهم متوجهون إليها أو من خلفهم لأنهم معرضون عن الالتفات إليها والاشتغال عما ينجيهم منها مقبلون على الدنيا والانهماك في شهواتها، والوراء تستعمل في هذين المعنيين لأنها اسم للجهة التي يواريها الشخص فتعم الخلف والقدام، وقيل في توجيه الخلفية: إن جهنم لما كانت تتحقق لهمبعد الأجل جعلت كأنها خلفهم * (ولا يغنى عنهم) * ولا يدفع * (ما كسبوا) * أي الذي كسبوه من الأموال والأولاد * (شيئا) * من عذاب الله تعالى أو شيئا من الإغناء على أن * (شيئا) * مفعول به أو مفعول مطلق * (ولا ما اتخذوا) * أي الذي اتخذوه * (من دون الله أولياء) * أي الأصنام.
وجوز أن تفسر * (ما) * بما تعمها وسائر المعبودات الباطلة، والأول أظهر، وجوز في * (ما) * في الموضعين أن تكون مصدرية، وتوسيط حرفي النفي بين المعطوفين مع أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعا مبني على زعمهم الفاسد حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم، وفيه تهكم * (ولهم) * فيما وراءهم من جهنم * (عذاب عظيم) * لا يقادر قدره.
* (ه‍اذا هدى والذين كفروا بااي‍ات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) *.
* (ه‍اذا) * أي القرآن كما يدل عليه ما بعد وكذا ماقبل * (كيسمع آيات الله. وإذا علم من آياتنا. وتلك آيات الله نتلوها) * * (هدى) * في غاية الكمال من الهداية كأنه نفسها * (والذين كفروا بآيات ربهم) * يعني القرآن أيضا على أن الإضافة للعهد، وكان الظاهر الإضمار لكن عدل عنه إلى ما في النظم الجليل لزيادة تشنيع كفرهم به وتفظيع حالهم، وجوزأن يراد بالآيات ما يشمله وغيره.
* (لهم عذاب من رجز) * من أشد العذاب * (أليم) * بالرفع صفة * (عذاب) * أخر للفاصلة.
وقرأ غير واحد من السبعة * (أليم) * بالجر على أنه صفة * (رجز) *، وجعله صفة * (عذاب) * أيضا والجر للمجاورة مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقيل: على قراءة الرفع إن الرجز بمعنى الرجس الذي هو النجاية، والمعنى لهم عذاب أليم من تجرع رجس أو شرب رجس والمراد به الصديد الذي يتجرعه الكافر ولا يكاد يسيغه ولا داعي لذلك كما لا يخفى، وتنوين * (عذاب) * في المواقع الثلاثة للتفخيم، ورفعه إما على الابتداء وإما على الفاعلية للظرف.
* (الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *.
* (الله الذي سخر لكم البحر) * بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه * (لتجري الفلك فيه بأمره) * بتسخيره تعالى إياه وتسهيل استعمالها فيما يراد بها، وقيل: بتكوينه تعالى أو بإذنه عز وجل، وسياق الامتنان يقتضي أن يكون المعنى لتجري الفلك فيه وأنتم راكبوها.
* (ولتبتغوا من فضله) * بالتجارة والغوص والصيد وغيرها * (ولعلكم تشكرون) * ولكي تشكروا النعم المترتبة على ذلك، وهذا أعني * (الله الذي سخر) * الخ ذرك تتميما للتقريع ولهذا رتب عليه الأغراض العاجلة فإنه مما يستوجب الشكر غالبا للكافر أيضا فكأنه قيل: تلك الآيات أولى بالشكر ولهذا عقب بما يعم القسمين أعني قوله سبحانه:
* (وسخر لكم ما فى السم‍اوات وما فى الارض جميعا منه إن فى ذلك لاي‍ات لقوم يتفكرون) *.
* (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض) * أي من الموجودات بأن جعل فيها منافع لكم منها ظاهرة ومنها خفية، وعقب بالتفكر لينبه على أن التفكر هو الذي يؤدي إلى ما ذكر من الأولوية ويدل به على أن التفكر ملاك الأمر في ترتيب الغرض على ما جعل آية من الايمان والإيقان والشكر * (جميعا) * حال
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»