تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٥٧
كما لا يخفى، وقوله تعالى:
* (فأما الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات فيدخلهم ربهم فى رحمته ذلك هو الفوز المبين) *.
* (فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته) * إلى آخره تفصيل للمجمل المفهوم من قوله تعالى: * (ينطق عليكم بالحق) * أو يجزون من الوعد والوعيد، والمراد بالرحمة الجنة مجازا والظرفية على ظاهرها، وقيل: المراد بالرحمة ما يشمل الجنة وغيرها والأول أظهر * (ذلك) * الذي ذكر من الإدخال في رحمته تعالى: * (هو الفوز المبين) * الظاهر كونه فوزا لا فوز وراءه.
* (وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاي‍اتى تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) *.
* (وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاياتي تتلى عليكم) * أي فيقال لهم بطريق التقريع والتوبيخ: ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فجواب أما القول المقدر، وحذف اكتفاء بالمقصود وهو المقول وحذفه كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه، وحذف المعطوف عليه لقرينة الفاء العاطفة وأن تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى، وهذا على ما ذهب إليه الزمخشري والجمهور على أن الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والفاء على نية التقدير، والتقدير فيقال لهم: ألم تكن الخ فليس هناك سوى حذف القول، وفي " الكشف " لو حمل على أن المحذوف فيوبخون لدلالة ما بعده عليه، وفائدة هذا الأسلوب مع أن الأصل فيدخلهم في عذابهم الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرون بعد في الموقف معذبون بالتوبيخ لكان وجها * (فاستكبرتم) * عن الإيمان بها * (وكنتم قوما مجرمين) * قوما عادتهم الإجرام.
* (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندرى ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) *.
* (وإذا قيل إن وعد الله) * أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك * (حق) * أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة.
وقرأ الأعرج. وعمرو بن قائد * (وإذا قيل أن) * بفتح الهمزة على لغة سليم * (والساعة لا ريب فيها) * برفع * (الساعة) * في قراءة الجمهور على العطف على محل إن واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري، ومن زعم أن لاسم إن موضعا جوز العطف عليه هنا، وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة * (الساعة لا ريب فيها) * عطف على الجملة السابقة، وقرأ حمزة * (والساعة) * بالنصب عطفا على اسم أن وروي ذلك عن الأعمش. وأبي عمرو. وأبي حيوة. وعيسى. والعبسي. والمفضل، وذكر أمر الساعة وإنها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناء بأمر البعث المقصود بالمقام * (قلتم) * لغاية عتوكم: * (ما ندري ما الساعة) * أي أي شيء هي استغرابا لها جدا كما يؤذن به جمع * (ما ندري) * مع الاستفهام.
* (إن نظن إلا ظنا) * استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوم تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضربا لأنه بمنزلة ما ضربت إلا ضربت، وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملا مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه، وكذا يقال في ما ضربت إلا ضربا ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه، واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل * (نظن) * في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلا إلا الظن، وكذا يقال في أمثاله ومنها قوله الأعشى: وحل به الشيب أثقاله * وما اغتره الشيب إلا اغترار
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 » »»