تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٨
كلامهم فيها شهير وكلهم مجمعون على التنزيه وسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وفي حرف عبد الله. وحفصة * (في ذكر الله) * * (وإن كنت لمن الس‍اخرين) * أي المستهزئين بدين الله تعالى وأهله، و * (إن) * هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والجملة في محل النصب على الحال عند الزمخشري أي فرطت في حال سخريتي.
وقال في " البحر ": ويظهر أنها استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا لا حال، والمقصود من ذلك الاخبار التحسر والتحزن.
* (أو تقول لو أن الله هدانى لكنت من المتقين) *.
* (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) * أي من الشرك والمعاصي.
وفسر غير واحد الهداية هنا بالإرشاد والدلالة الموصلة بناء على أنه الأنسب بالشرطية والمطابق للرد بقوله سبحانه: * (بلى) * الخ، وفسرها أبو حيان بخلق الاهتداء، وأيا ما كان فالظاهر أن هذه المقالة في الآخرة.
* (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لى كرة فأكون من المحسنين) *.
* (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة) * أي رجوعا إلى الحياة الدنيا * (فأكون من المحسنين) * في العقيدة والعمل، و * (لو) * للتمني * (فأكون) * منصوب في جوابها، وجوز في " البحر " أن يكون منتصبا بالعطف على * (كرة) * إذ هو مصدر فيكون مثل قوله: فما لك عنها غير ذكري وحسرة * وتسأل عن ركبانها أين يمموا وقول الآخر: ولبس عباءة وتقر عيني * أحب لي من لبس الشفوف ثم قال: والفرق بينهما أن الفاء إذا كانت في جواب التمني كانت أن واجبة الإضمار وكان الكون مترتبا على حصول المتمني لا متمنى، وإذا كانت للعطف على * (كرة) * جاز إظهار أن وإضمارها وكان الكون متمني. [بم وقوله تعالى:
* (بلى قد جآءتك ءاي‍اتى فكذبت بها واستكبرت وكنت من الك‍افرين) *.
* (بلى قد جاءتك ءاي‍اتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) * جواب من الله عز وجل لما تضمنه قول القائل * (لو أن الله هداني) * (الزمر: 57) من نفى أن يكون الله تعالى هداه ورد عليه، ولا يشترط في الجواب ببلى تقدم النفي صريحا وقد وقع في موقعه اللائق به لأنه لو قدم على القرينة الأخيرة أعني * (أو تقول حين ترى العذاب) * (الزمر: 58) الخ وأوقع بعده غير مفصول بنيهما بها لم يحسن لتبتير النظم الجليل، فإن القرائن الثلاث متناسبة متناسقة متلاصقة، والتناسب بينهن أتم من التناسب بين القرينة الثانية وجوابها، ولو أخرت القرينة الثانية وجعلت الثالثة ثانية لم يحسن أيضا لأن رعاية الترتيب المعنوي وهي أهم تفوت إذ ذاك، وذلك لأن التحسر على التفريط عند تطاير الصحف على ما يدل عليه مواضع من القرآن العظيم، والتعلل بعدم الهداية إنما يكون بعد مشاهدة حال المتقين واغتباطهم، ولأنه للتسلي عن بعض التحسر أو من باب تمسك الغريق فهو لا حق وتمني الرجوع بعد ذوق النار، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب) * (الأنعام: 27) وكذلك لو حمل الوقوف على الحبس على شفيرها أو مشاهدتها، وكل بعد مشاهدة حال المتقين وما لقوا من خفة الحساب والتكريم في الموقف، ولأن اللجأ إلى التمني بعد تحقق أن لا جدوى للتعليل.
وقال الطيبي: إن النفس عند رؤية أهوال يوم القيامة يرى الناس مجزيين بأعمالهم فيتحسر على تفويت الأعمال عليها ثم قد يتعلل بأن التقصير لم يكن مني فإذا نظر وعلم أن التقصير كان منه تمني الرجوع، ثم الظاهر من السياق أن النفوس جمعت بين الأقوال الثلاثة - فأو - لمنع الخلو، وجيء بها تنبيها على أن كل واحد يكفي صارفا عن إيثار الكفر وداعيا إلى الإنابة واتباع أحسن ما أنزل وتذكير الخطاب في * (جاءتك) * الخ على المعني
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»