تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٣
وجوز أن يكون التجوز في الظرف فقالها الذين من قبلهم بمعنى شاعت فيهم، والشائع الأول، والمراد قالوا مثل هذه المقالة أو قالوها بعينها ولاتحاد صورة اللفظ تعد شيئا واحدا في العرف * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * من متاع الدنيا ويجمعونه منه.
* (فأص‍ابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من ه‍اؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين) *.
* (فأصابهم سيآت ما كسبوا) * أي أصابهم جزاء سيئات كسبهم أو الذي كسبوه على أن الكلام بتقدير مضاف أو أنه تجوز بالسيئات عما تسبب عنها وقد يقال لجزاء السيئة سيئة مشاكلة نحو قوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * فيكون ما هنا من المشاكلة التقديرية، وإذا كان المعنى على جعل جزاء جميع ما كسبوا سيئا دل الكلام على أن جميع ما كسبوا سيء إذ لو كان فيه حسن جوزي عليه جزاء حسنا، وفيه من ذمهم ما فيه.
* (والذين ظلموا من هؤلاء) * المشركين، و * (من) * للبيان فإنهم كلهم كانوا ظالمين إذا الشرك ظلم عظيم أو للتبعيض فالمراد بالذين ظلموا من أصر على الظلم حتى تصيبهم قارعة وهم بعض منهم * (سيصيبهم سيئآت ما كسبوا) * كما أصاب الذين من قبلهم، والمراد به العذاب الدنيوي وقد قحطوا لسبع سنين، وقتل: ببدر صناديدهم وقيل العذاب الأخروي، وقيل: الأعم، ورجح الأول بأنه الأوفق للسياق، وأشير بقوله تعالى: * (وما هم بمعجزين) * أي بفائتين على ما قيل إلى العذاب الأخروي.
* (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر إن فى ذلك لاي‍ات لقوم يؤمنون) *.
* (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) * أن يبسطه له * (ويقدر) * لمن يشاء أن يقدر له من غير أن يكون لأحد ما مدخل في ذلك حيث حبس عنهم الرزق سبعا ثم بسطه لهم سبعا * (إن في ذلك) * الذي ذكر * (لآيات) * دالة على أن الحوادث كافة من الله تعالى شأنه والأسباب في الحقيقة ملغاة * (لقوم يؤمنون) * إذ هم المستدلون بها على مدلولاتها.
* (قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) *.
* (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * أي أفرطوا في المعاصي جانين عليها، وأصل الإسراف الإفراط في صرف المال ثم استعمل فيما ذكر مجازا بمرتبتين على ما قيل، وقال الراغب: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر وهذا ظاهر في أنه حقيقة فيما ذكرنا وهو حسن.
وضمن معنى الجناية ليصح تعديه بعلى والمضمن لا يلزم فيه أن يكون معناه حقيقيا، وقيل: هو مضمن معنى الحمل، وحمل غير واحد الإضافة في * (عبادي) * على العهد أو على التشريف، وذهبوا إلى أن المراد بالعباد المؤمنون وقد غلب استعماله فيهم مضافا إليه عز وجل في القرآن العظيم فكأنه قيل: أيها المؤمنون المذنبون * ( لا تقنطوا من رحمة الله) * أي لا تيأسوا من مغفرته سبحانه وتفضله عز وجل على أن المغفرة مدرجة في الرحمة أو أن الرحمة مستلزمة لها لأنه لا يتصور الرحمة لمن لم يغفر له، وتعليل النهي بقوله تعالى:
* (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * يقتضي دخولها في المعلل، والتذييل بقوله سبحانه: * (إنه هو الغفور الرحيم) * كالصريح في ذلك، وجوز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك كأنه قيل: لا تقنطوا من رحمة الله ومغفرته إن الله يغفر الذنوب جميعا ويرحم، وفيه بعد، وقالوا: المراد بمغفرة الذنوب التجافي عنها وعدم المؤاخذة بها في الظاهر والباطن وهو المراد بسترها، وقيل: المراد بها محوها من الصحائف بالكلية مع التجافي عنها وأن الظاهر إطلاق الحكم وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر كيف لا وقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»