تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٩
كلها فما رأت وهي عنده سبحانه في السماء فهي الرؤيا الصادقة وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها فهي الكاذبة لأنها إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها فعجب عمر من قوله رضي الله تعالى عنهما؛ وظاهر هذا الأثر أن النفس النائمة المقبوضة تكون في السماء حتى ترسل، ومثل ذلك مما يجب تأويله على القول بتجرد النفس ولا يجب على القول الآخر. نعم لعلك تختاره وكأنك تقول: إن النفس شريفة علوية هبطت من المحل الأرفع وأرسلت من حمى ممنع وشغلت بتدبير منزلها في نهارها وليلها ولم تزل تنتظر فرصة العود إلى ذياك الحمى والمحل الرفيع الأسمى وعند النوم تنتهز تلك الفرصة وتهون عليها في الجملة هاتيك الغصة فيحصل لها نوع توجه إلى عالم النور ومعلم السرور الخالي من الشرور بحيث تستعد استعدادا ما لقبول بعض آثاره والاستضاءة بشيء من أنواره وجعلها كذلك هو قبضها وبه لعمري بسطها وقبضها، فمتى رأت وهي في تلك الحال مستفيضة من ذلك العالم الموصوف بالكمال رؤيا كانت صادقة، ومتى رأت وهي راجعة القهقرى إلى ما ابتليت به من تدبير منزل تحوم فيه شياطين الأوهام وتزدحم فيه أي ازدحام كانت رؤياها كاذبة ثم إنها في كلا الحالين متفاوتة الأفراد فيما يكون من الاستعداد، والوقوف على حقيقة الحال لا يتم إلا بالكشف دون القيل والقال * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * الإشارة إلى ما ذكر من التوفي والإمساك والإرسال، والإفراد لتأويله بالمذكور أو نحوه، وصيغة البعيد باعتبار مبدئه أو تقضي ذكره أو بعد منزلته، والتنوين في * (آيات) * للتكثير والتعظيم أي أن فيما ذكر الآيات كثيرة عظيمة دالة على كمال قدرته تعالى وحكمته وشمول رحمته سبحانه لقوم يتفكرون في كيفية تعلق الأنفس بالأبدان وتوفيها عنها تارة بالكلية عند الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها إلى أن يعيد الله تعالى الخلق وما يعتريها من السعادة والشقاوة وأخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وإرسالها حينا بعد حين إلى انقضاء آجالها.
* (أم اتخذوا من دون الله شفعآء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) *.
* (أم اتخذوا) * أي بل اتخذ قريش - فأم - منقطعة والاستفهام المقدر لإنكار اتخاذهم * (من دون الله شفعاء) * تشفع لهم عند الله تعالى في رفع العذاب، وقيل: في أمورهم الدنيوية والأخروية، وجوز كونها متصلة بتقدير معادل كما ذكره ابن الشيخ في حواشي البيضاوي وهو تكلف لا حاجة إليه، ومعنى * (من دون الله) * من دون رضاه أو إذنه لأنه سبحانه لا يشفع عنده إلا من أذن له ممن أرضاه ومثل هذه الجمادات الخسيسة ليست مرضية ولا مأذونة ولو لم يلاحظ هذا اقتضى أن الله تعالى شفيع ولا يطلق ذلك عليه سبحانه أو التقدير أو اتخذوا آلهة سواه تعالى لتشفع لهم وهو يؤل لما ذكر * (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) * أي أيشفعون حال تقدير عدم ملكهم شيئا من الأشياء وعدم وعقلهم إياه، وحاصله أيشفعون وهم جمادات لا تقدر ولا تعلم فالهمزة داخلة على محذوف والواو للحال والجملة حال من فاعل الفعل المحذوف. وذهب بعضهم إلى أنها للعطف على شرطية قد حذفت لدلالة * (لو كانوا لا يملكون) * الخ عليها أي أيشفعون لو كانوا يملكون شيئا ويعقلون ولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون، والمعنى على الحالية أيض كأنه قيل: أيشفعون على كل حال، وقال بعض المحققين من النحاة: إنها اعتراضية ويعني بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقا به معنى مستأنفا لفظا على طريق الالتفات كقوله: فأنت طلاق والطلاق ألية وقوله: ترى كل من فيها وحاشاك فانيا وقد تجىء بعد تمام الكلام كقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وفي احتياج أداة الشرط في مثل هذا التركيب إلى
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»