تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٧١
* (ولهم) * أي في الآخرة * (عذاب) * آخر غير ما في الدنيا من عذاب الرجم بالشهب * (واصب) * أي دائم كما قال قتادة. وعكرمة. وابن عباس، وأنشدوا لأبي الأسود: لا أشتري الحمد القليل بقاؤه * يوما بذم الدهر أجمع واصبا وفسره بعضهم بالشديد، قيل والأول حقيقة معناه وهذا تفسير له بلازمه. والآية على ما سمعت كقوله تعالى: * (وأعتدنا لهم عذاب السعير) * (الملك: 5) وجوز أبو حيان أن يكون هذا العذاب في الدنيا وهو رجمهم دائما وعدم بلوغهم ما يقصدون من استراق السمع.
* (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) *.
* (إلا من خطف الخطفة) * استثناء متصل من واو * (يسمعون) * و * (من) * بدل منه على ما ذكره الزمخشري ومتابعوه، وقال ابن مالك: إذا فصل بين المستثنى والمستثنى منه فالمختار النصب لأن الإبدال للتشاكل وقد فات بالتراخي، وذكره في " البحر " هنا وجها ثانيا، وقيل: هو منقطع على أن * (من) * شرطية جوابها الجملة المقرونة بالفاء بعد وليس بذاك، والخطف الاختلاس والأخذ بخفة وسرعة على غفلة المأخوذ منه، والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة بلام العهد لأن المراد بها أمر معين معهود فهي نصب على المصدرية، وجوز أن تكون مفعولا به على إرادة الكلمة. وقرأ الحسن وقتادة * (خطف) * بكسر الخاء والطاء مشددة، قال أبو حاتم: ويقال هي لغة بكر بن وائل. وتميم بن مر والأصل اختطف فسكنت التاء للإدغام وقبلها خاء ساكنة فالتقى ساكنان فحركت الخاء بالكسر على الأصل وكسرت الطاء للاتباع وحذفت ألف الوصل للاستغناء عنها. وقرىء * (خطف) * بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة ونسبها ابن خالويه إلى الحسن. وقتادة. وعيسى، واستشكلت بأن فتح الخاء سديد لإلقاء حركة التاء عليها، وأما كسر الطاء فلا وجه له، وقيل في توجيهها: إنهم نقلوا حركة الطاء إلى الخاء وحذفت ألف الوصل ثم قلبوا التاء وأدغموا وحركوا الطاء بالكسر على أصل التقاء الساكنين وهو كما ترى، وعن ابن عباس * (خطف) * بكسر الخاء والطاء مخففة أتبع على ما في " البحر " حركة الخاء لحركة الطاء كما قالوا نعم * (فأتبعه) * أي تبعه ولحقه على أن أتبع من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد * (شهاب) * هو في الأصل الشعلة الساطعة من النار الموقدة، والمراد به العارض المعروف في الجو الذي يرى كأنه كوكب منقض من السماء * (ثاقب) * مضىء كما قال الحسن. وقتادة كأنه ثقب الجو بضوئه، وأخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن يزيد الرقاضي أنه قال: يثقب الشيطان حتى يخرج من الجانب الآخر فذكر ذلك لأبي مجلز فقال: ليس ذاك ولكن ثقوبه ضوؤه، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد * (الثاقب) * المتوقد وهو قريب مما تقدم.
وأخرج عن السدي * (الثاقب) * المحرق، وليست الشهب نفس الكواكب التي زينت بها السماء فإنها لا تنقض وإلا لانتقصت زينة السماء بل لم تبق، على أن المنقض إن كان نفس الكواكب بمعنى أنه ينقلع عن مركزه ويرمي به الخاطف فيرى لسرعة الحركة كرمح من نار لزم أن يقع على الأرض وهو إن لم يكن أعظم منها فلا أقل من أن ما انقض من الكواكب من حين حدث الرمي إلى اليوم أعظم منها بكثير فيلزم أن تكون الأرض اليوم مغشية بإجرام الكواكب والمشاهدة تكذب ذلك بل لم نسمع بوقوع جرم كوكب أصلا.
وأصغر الكواكب عند الإسلاميين كالجبل العظيم، وعند الفلاسفة أعظم وأعظم بل صغار الثوابت عندهم
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»