تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٧٦
البحر عن ابن عباس أنه عبر عن اللازب بالحر أي الكريم الجيد، وفي رواية أنه قال: اللازب الجيد.
وأخرج عبد بن حيمد. وابن المنذر عن مجاهد أنه قال: لازب أي لازم منتن، ولعل وصفه بمنتن مأخوذ من قوله تعالى: * (من حمأ مسنون) * (الحجر: 26) لكن أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: اللازب والحماء والطين واحد كان أوله ترابا ثم صار حمأ منتنا ثم صار طينا لازبا فخلق الله تعالى منه آدم عليه السلام.
وأيا ما كان فخلقهم من طين لازب إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم في أمر البعث بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه في ضمن خلق أبيهم آدم عليه السلام تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا منه مرة ثانية حيث قالوا: * (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * (الصافات: 16) ويعضد هذا على ما في الكشاف ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعثث. [بم وقوله تعالى:
* (بل عجبت ويسخرون) *.
* (بل عجبت) * خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وجوز أن يكون لكل من يقبله. * (وبل) * للاضراب إما عن مقدر يشعر به * (فاستفتهم) * الخ أي هم لا يقرون ولا يجيبون بما هو الحق بل مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون لا ينفع فيهم الاستفتاء ولا يتعجبون من تلك الدلائل بل مثلك ممن يتعجب منها * (ويسخرون) * أي وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من الآيات، وجوز أن يكون المعنى بل عجبت من إنكارهم البعث مع هذه الآيات وهم يسخرون من أمر البعث، واختير أن يكون المعنى بل عجبت من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم البعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث، وزعم بعضهم أن المراد بمن خلقنا الأمم الماضية وليس بشيء إذ لم يسبق لهذه الأمم ذكر وإنما سبق الذكر للملائكة عليهم السلام وللسموات والأرض وما سمعت مع أن حرف التعقيب مما يدل على خلافه، ومن قال كصاحب الفرائد عليه جمهور المفسرين سوى الإمام ووجهه بأنه لما احتج عليهم بما هم مقرون به من كونه رب السموات والأرض ورب المشارق وألزمهم بذلك وقابلوه بالعناد قيل لهم: فانتظروا الإهلاك كمن قبلكم لأنهكم لستم أشد خلقا منهم فوضع موضعه * (فاستفتهم أهم أشد خلقا) * وقوله تعالى: * (إنا خلقناهم) * (الصافات: 11) تعليل لأنهم ليسوا أشد خلقا أو دليل لاستكبارهم المنتج للعناد. وأيده بدلالة الإضراب واستبعاد البعث بعده لدلالته على أنه غير متعلق بما قبل الاضراب فقد ذهب عليه أن اللفظ خفي الدلالة على ما ذكر من العناد واستحقاق الاهلاك كسالف الأمم؛ وتعليل نفي الأشدية بما علل ليس بشيء لوضوح أن السابقين أشد في ذلك، وكم من ذلك في الكتاب العزيز، وأما الاضراب فعن الاستفتاء إلى أن مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل ولذا عطف عليه * (ويسخرون) * وجعل ما أنكروه من البعث من بعض مساخرهم قاله صاحب الكشف فلا تغفل. وقرأ حمزة. والكسائي. وابن سعدان.
وابن مقسم * (عجبت) * بتاء المتكلم ورويت عن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وابن مسعود. والنخعي. وابن وثاب. وطلحة وشقيق. والأعمش.
وأنكر شريح القاضي هذه القراءة وقال: إن الله تعالى لا يعجب من شيء وإنما يعجب من لا يعلم، وانكار هذا القاضي مما أفتى بعدم قبوله لأنه في مقابل بينة متواترة، وقد جاء أيضا في الخبر عجب ربكم من الكم وقنوطكم.
وأولت القراءة بأن ذلك من باب الفرض أي لو كان العجب مما يجوز علي لعجبت من هذه الحال أو التخييل فيجعل تعالى كأنه لانكاره لحالهم يعدها أمرا غريبا ثم يثبت له سبحانه العجب منها، فعلى الأول تكون الاستعارة
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»