تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٧٠
مع الإصغاء أولا يمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع كأنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك، ولا بد من ذلك جعلت الجملة وصفا ولا جمعا بين القراءتين وتوفية لحق الإصغاء المدلول عليه بإلى وحينئذ يكون الوصف شديد الطباق؛ ورد الاستئناف البياني وارد على تقدير السؤال لم تحفظ؟ وليس كذلك بل السؤال عما يكون عند الحفظ وعن كيفيته لأن قوله سبحانه: * (وحفظا من كل شيطان مارد) * (الصافات: 7) مما يحرك الذهن له فقيل * (لا يسمعون) * جوابا عما يكون عنده * (ويقذفون) * لكيفية الحفظ، وهذا أولى من جعلها مبدأ اقتصاص مستطرد لئلا ينقطع ما ليس بمنقطع معنى انتهى.
واستدقه الخفاجي واستحسنه وذكر أن حاصله أنه ليس المنفي هنا السماع المطلق حتى يلزم ما ظنوه من فساد المعنى لأنه لما تعدى بإلى وتضمن معنى الإصغاء صار المعنى حفظناها من شياطين لا تنصت لما فيها إنصاتا تاما تضبط به ما تقوله الملائكة عليهم السلام، ومآله حفظناها من شياطين مسترقة للسمع، وقوله سبحانه: * (إلا من خطف) * (الصافات: 9) الخ ينادي على صحته، والمناقشة بحديث الأوصاف قبل العلم بها أخبار إن جاءت لا تتم فالحديث غير مطرد، وقيل: إن الأصل لأن لا يسمعوا على أن الجار متعلق بحفظا فحذفت اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذفت أن ورفع الفعل كما في قوله: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وفيه أن حذف اللام وحذف أن ورفع الفعل وإن كان كل منهما واقعا في الفصيح إلا أن اجتماع الحذفين منكر يصان كلام الله تعالى عنه. وأبو البقاء يجوز كون الجملة صفة وكونها استئنافا وكونها حالا فلا تغفل.
* (ويقذفون) * أي يرمون ويرجمون * (من كل جانب) * من جوانب السماء إذا قصدوا الصعود عليها، وليس المراد أن كل واحد يرمي من كل جانب بل هو على التوزيع أي كل من صعد من جانب رمى منه.
وقرأ محبوب عن أبي عمرو * (يقذفون) * بالبناء للفاعل ولعل الفاعل الملائكة، وجوز أن يكون الكواكب، وأمر ضمير العقلاء سهل [بم وقوله تعالى:
* (دحورا ولهم عذاب واصب) *.
* (دحورا) * مفعول له وعلة للقذف أي للدحور وهو الطرد والإبعاد أو مفعول مطلق ليقذفون كقعدت جلوسا لتنزيل المتلازمين منزلة المتحدين فيقام دحورا مقام قذفا أو * (يقذفون) * مقام يدحرون، وعلى التقديرين هو مصدر مؤكد أو حال من ضمير * (يقذفون) * على أنه مصدر باسم المفعول على القراءة الشائعة وهو في معنى الجمع لشموله للكثير أي مدحورين، وجوز كونه جمع داحر بمعنى مدحور كقاعد وقعود، وكونه جمع داحر من غير تأويل بناء على القراءة الأخرى، وجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض وهو الباء على أنه جمع دحر كدهر ودهور وهو ما يدحر به أي يقذفون بدحور. وقرأ السلمي. وابن أبي عبلة. والطبراني عن أبي جعفر * (دحورا) * بفتح الدال فاحتمل كونه نصبا بنزع الخافض أيضا وهو على هذه القراءة أظهر لأن فعولا بالفتح بمعنى ما يفعل به كثير كطهور وغسول لما يتطهر ويغسل به، واحتمل أن يكون صفة كصبور لموصوف مقدر أي قذفا دحورا طاردا لهم، وأن يكون مصدرا كالقبول وفعول في المصادر نادر ولم يأت في كتب التصريف منه إلا خمسة أحرف الوضوء والطهور والولوع والوقود والقبول كما حكي عن سيبويه وزيد عليه الوزوع بالزاي المعجمة والهوى بفتح الهاء بمعنى السقوط والرسول بمعنى الرسالة.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»