تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٦٦
أي الذي صبح فغنم فآب ورجع أو لترتيب معانيها في الرتبة إذا كانت الذات واحدة أيضا كما في قولك: أتم العقل فيك إذا كنت شابا فكهلا أو لترتيب الموصوفات بها في الوجود كما في قولك: وفقت كذا على بني بطنا فبطنا أو في الرتبة نحو رحم الله تعالى المحلقين فالمقصرين، وكلاهما مع تعدد الموصوف والترتيب الرتبي إما باعتبار الترقي أو باعتبار التدلي، وهي إذا كانت الذات المتصفة بالصفات هنا واحدة وهم الملائكة عليهم السلام بأسرهم تحتمل أن تكون للترتيب الرتبي باعتبار الترقي فالصف في الرتبة الأولى لأنه عمل قاصر والزجر أعلى منه لما فيه من نفع الغير والتلاوة أعلى وأعلى لما فيها من نقع الخاصة الساري إلى نفع العامة بما فيه صلاح المعاش والمعاد أو للترتيب الخارجي من حيث وجود ذوات الصفات فالصف يوجد أولا لأنه كمال للملائكة في نفسها ثم يوجد بعده الزجر للغير لأنه تكميل للغير يستعد به الشخص ما لم يكمل في نفسه لا يتأهل لأن يكمل غيره ثم توجد التلاوة بناء على أنها إفاضة على الغير يستعد به الشخص ما لم يكمل في نفسه لا يتأهل لأن يكمل غيره ثم توجد التلاوة بناء على أنها إفاضة على الغير المستعد لها وذا لا يتحقق إلا بعد حصول الاستعداد الذي هو من آثار الزجر، وإذا كانت الذات المتصفة بها من الملائكة عليهم السلام متعددة بمعنى أن صنفا منهم كذا وصنفا آخر كذا فالظاهر أنها للترتيب الرتبي باعتبار الترقي كما في الشق الأول فالجماعات الصافات كاملون والزاجرات أكمل منها والتاليات أكمل وأكمل كما يعلم مما سبق، وقيل يجوز أن يكون بعكس ذلك بأن يراد بالصافات جماعات من الملائكة صافات من حول العرش قائمات في مقام العبودية وهم الكروبيون المقربون أو ملائكة آخرون يقال لهم كما ذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره المهيمون مستغرقون بحبه تعالى لا يدري أحدهم أن الله عز وجل خلق غيره وذكر أنهم لم يؤمروا بالسجود لآدم عليه السلام لعدم شعورهم باستغراقهم به تعالى وأنهم المعنيون بالعالين في قوله تعالى: * (أستكبرت أم كنت من العالين) * (ص: 75) وبالزاجرات جماعات أخر أمرت بتسخير العلويات والسفليات وتدبيرها لما خلقت له وهي في الفضل على ما لها من النفع للعباد دون الصافات وبالتاليات ذكرا جماعات أخر أمرت بتلاوة المعارف على خواص الخلق وهي لخصوص نفعها دون الزاجرات أو المراد بالزاجرات الزاجرات الناس عن القبيح بالهام جهة قبحه وما ينفر عن ارتكابه وبالتاليات ذكرا المهمات للخير والجهات المرغبة فيه، ولكون دفع الضر أولى من جلب الخير ودرء المفاسد أهم من جلب المصالح ولذا قيل التخلية بالخاء مقدمة على التحلية كانت التاليات دون الزاجرات، وحال الفاء على سائر الأقوال السابقة في السفات لا يخفى على من له أدنى تأمل ويجوز عندي والله تعالى أعلم أن يراد بالصافات المصطفون للعبادة من صلاة ومحاربة كفرة مثلا ملائكة كانوا أم أناسى أم غيرهما وبالزاجرات الزاجرون عن ارتكاب المعاصي بأقوالهم أو أفعالهم كائنين من كانوا وبالتاليات ذكرا التالون لآيات الله تعالى على الغير للتعليم أو نحو كذلك، ولا عناد بين هذه الصفات فتجتمع في بعض الأشخاص، ولعل الترتيب على سبيل الترقي باعتبار نفس الصفات فالاصطفاف للعبادة كمال والزجر عن ارتكاب المعاصي أكمل والتلاوة لآيات الله تعالى للتعليم لتضمنه الأمر بالطاعات والنهي عن المعاصي والتخلي عن الرذائل والتحلي بالمعارف إلي أمور أخر أكمل وأكمل؛ وجعل الصفات المذكورة لموصوف وأحد من الملائكة على ما مر بأن تكون جماعات منهم صافات بمعنى صافات أنفسها في سلك الصفوف بالقيام في مقاماتها المعلومة أو القائمات صفوفا للعبادة وتاليات ذكرا بمعنى تاليات الآيات بطريق الوحي على الأنبياء عليهم السلام لا يخلو عن بعد فيما أرى على أن
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»