على هذا الطرز، وقيل: في قوله سبحانه: * (طائركم معكم) * (يس: 19) إنه إشارة إلى استعدادهم السيء الذي طار بهم عنقاء مغربة: إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم وقيل: في * (أصحاب الجنة) * في قوله تعالى: * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون * وهم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون) * (يس: 55، 56) إنه إشارة إلى طائفة من المؤمنين كان الغالب عليهم في الدنيا طلب الجنة ولذا أضيفوا إليها وهم دون أهل الله تعالى وخاصته الذين لم يلتفتوا إلى شيء سواه عز وجل فأولئك مشغولون بلذائذ ما طلبوه وهؤلاء جلساء الحضرة المشغولون بمولاهم جل شأنه المتنعمون بوصاله ومشاهدة جماله وفرق بين الحالين وشتان ما بين الفريقين، ولذا قيل: أكثر أهل الجنة البله فافهم الإشارة.
والشيطان في قوله تعالى: * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان) * (يس: 60) إشارة إلى كل ما يطاع ويذل له غير الله عز وجل كائنا ما كان وعداوته لما أنه سبب الحجاب عن رب الأرباب، وفي قوله تعالى: * (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) * (يس: 76) إشارة إلى أنه لا ينبغي الاكتراث بأذى الأعداء والالتفات إليه فإن الله تعالى سيجازيهم عليه إذا أوقفهم بين يديه، هذا ونسأل الله تعالى أن يحفظنا من شر الأرار وأن ينور قلوبنا بمعرفته كما نور قلوب عباده الأبرار ونصلي ونسلم على حبيبه قلب جسد الأعيان وعلى آله وصحبه ما دامت سورة يس قلب القرآن.
سورة الصافات مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا وهي مائة وإحدى وثمانون آية عند البصريين ومائة واثنتان وثمانون عند غيرهم، وفيها تفصيل أحوال القرون المشار إلى إهلاكها في قوله تعالى في السورة المتقدمة * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) * (يس: 31) وفيها من تفصيل أحوال المؤمنين وأحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة ما هو كالإيضاح لما في تلك السورة من ذلك، وذكر فيها شيء مما يتعلق بالكواكب لم يذكر فيما تقدم، ولمجموع ما ذكر ذكرت بعدها. وفي " البحر " مناسبة أول هذه السورة لآخر سورة يس أنه تعالى لما ذكر المعاذ وقدرته سبحانه على إحياء الموتى وأنه هو منشئهم وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء كان ذكر عز وجل هنا وحدانيته سبحانه إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا وإعداما إلا بكون المريد واحدا كما يشير إليه قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22).
* (والصافات صفا) *.
بسم الله الرحمان الرحيم * (والصافات صفا) * اقسام من الله تعالى بالملائكمة عليهم السلام كما روى عن ابن عباس. وابن مسعود. ومسروق. ومجاهد. وعكرمة. وقتادة. والسدي، وأبى أبو مسلم ذلك وقال: لا يجوز حمل هذه اللفظ وكذا ما بعد على الملائكة لأن اللفظ مشعر بالتأنيث والملائكة مبرؤن عن هذه الصفة، وفيه أن هذا في معنى جمع الجمع فهو جمع صافة أي طائفة أو جماعة صافة، ويجوز أن يكون تأنيث المفرد باعتبار أنه ذات ونفس والتأنيث المعنوي هو الذي لا يحسن أن يطلق عليهم وأما اللفظ فلا مانع منه كيف وهم المسمون بالملائكة، والوصف المذكور منزل منزلة اللازم على أن المراد إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول أي الفاعلان للصفوف أو المفعول محذوف أي الصافات أنفسها أي الناظمات لها في سلك الصفوف بقيامها في مقاماتها المعلومة حسبما ينطق به قوله تعالى: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * (الصافات: 164) وذلك باعتبار تقديم الرتبة والقرب