منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في ضميره فصيح فهو حينئذ معطوف على * (خلقناه) * والتعقيب والمفاجأة ناظران إلى خلقه، و * (مبين) * متعد والكلام من متممات شواهد صحة البعث [بم فقوله تعالى:
* (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحى العظام وهى رميم) *.
* (وضرب لنا مثلا) * معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار، وأما على الأول فهو عطف على الجملة الفجائية، والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر هي في الغرابة كالمثل وهي إنكار أحيائنا العظام أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي أحياؤنا إياها أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفى الكل على العموم، وقوله تعالى: * (ونسي خلقه) * أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه إما عطف على * (ضرب) * داخل في حيز الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمال قد أو بدونه، ونسيان خلقه بأن لم يتذكره على ما قيل وفيه دغدغة أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر وقوله سبحانه: * (قال) * استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل كأنه قيل: أي مثل ضرب أو ماذا قال؟ فقيل: قال: * (من يحيي العظام وهي رميم) * منكرا ذلك ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد وهو كونها رميما أي بالية أشد البلى، والظاهر أن * (رميم) * صفة لا اسم جامد فإن كان من رم اللازم بمعنى بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء الجامدة أو حمل على فعيل بمعنى مفعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال محيي السنة: لم يقل رميمة لأنه معدول من فاعلة فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله * (بغيا) * في قوله تعالى: * (ما كانت أمك بغياف) * أسقط الهاء منها لأنها كانت مصروفة عن باغية، وقال الأزهري: إن عظاما لكونه بوزن المفرد ككتاب وقراب عومل معاملته فقيل رميم دون رميمة وذكر له شواهد وهو غريب، وإن كان من رم المتعدي بمعنى إبلي يقال رمه أي أبلاه؛ وأصل معناه الأكل كما ذكره الأزهري من رمث الإبل الحشيش فكان ما بلى أكلته الأرض فهو فعيل بمعنى مفعول، وتذكيره على هذا ظاهر للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وفي المطلع الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولأجل أنه اسم لا صفة لا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدا غير ظاهل.
* (قل يحييها الذىأنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم) *.
* (قل) * تبكيتا له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها * (يحييها الذي أنشأها) * أي أوجدها ورباها * (أول مرة) * أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الأحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه. وفي " الحواشي الخفاجية " كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى: * (قل يحييها) * الخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من أنشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا فيلزم أن الله عز وجل قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانيا، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك. وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة