تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٤٣
ذلك من مقتضيات الختم لأن الخطاب لتلقي الجواب وقد انقطع بالكلية، لكن قال في موضع آخر: إن الشهادة تتحقق في موقف الحساب لا بعد تمام السؤال والجواب وسوقهم إلى النار، والأخبار ظاهرة في ذلك.
أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. عن أبي موسى الأشعري من حديث " يدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض ربه عليه عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته فإذا فعل ذلك ختم على فيه فإني أحسب أول ما تنطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم تختم على أفواههم الآية " وفي حديث أخرجه مسلم. والترمذي. والبيهقي عن أبي سعيد. وأبي هريرة مرفوعا " إنه يلقى العبد ربه فيقول الله تعالى له أي فل ألم أكرمك إلى أن قال صلى الله عليه وسلم فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثنى بخير ما استطاع فيقول: ألا نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد على فيختم على فيه. ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ".
وفي بعض الأخبار ما يدل على أن العبد يطلب شاهدا منه فيختم على فيه، أخرج أحمد. ومسلم وابن أبي الدنيا واللفظ له عن أنس في قوله تعالى: * (اليوم نختم على أفواههم) * قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه قال: أتدرون مم ضحكت؟ قلنا: لا يا رسول الله قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى فيقول: إني لا أجيز على ألا شاهدا مني فيقول كفى بنفسك عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل " والجمع بالتزام القول بالتعدد فتارة يكون ذلك عند الحساب وأخرى عند النار والقول باختلاف أحوال الناس فيما ذكر.
وما تقدم في حديث أبي موسى من أن الفخذ اليمنى أول ما تنطق على ما يحسب جزم به الحسن، وأخرج أحمد وجماعة عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال " ثم الظاهر أن التكلم والشهادة بنطق حقيقة وذلك بعد إعطاء الله تعالى الأعضاء حياة وعلما وقدرة فيرد بذلك على من زعم أن البينة المخصوصة شرط فيما ذكر وإسناد الختم إليه تعالى دون ما بعد قيل لئلا يحتمل الجبر على الشهادة والكلام فدل على أن ذلك باختيار الأعضاء المذكورة بعد إقدار الله تعالى فإنه أدل على تفضيح المحدث عنهم، وهل يشهد كل عضو بما فعل به أو يشهد بذلك وبما فعل بغيره فيه خلاف والثاني أبلغ في التفظيع، والعلم بالمشهود به يحتمل أن يكون حصوله بخلق الله تعالى إياه في ذلك الوقت ولا يكون حاصلا في الدنيا ويحتمل أن يكون حصوله في الدنيا بأن تكون الأعضاء قد خلق الله تعالى فيها الإدراك فهي تدرك الأفعال كما يدركها الفاعل فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى لها ما كان وجعلها مستحضرة لما عملته أولا وأنطقها نطقا يفقهه المشهود عليه، وهذا نحو ما قالوا من تسبيح جميع الأشياء بلسان القال والله تعالى عل كل شيء قدير والعقل لا يحيل ذلك وليس هو بأبعد من خلق الله تعالى فيها العلم والإرادة والقدرة حتى تنطق يوم القيامة فمن يؤمن بهذا فليؤمن بذلك، والتشبث بذيل الاستبعاد يجر إلى إنكار الحشر بالكلية والعياذ بالله تعالى أو تأويله بما أوله به الباطنية الذين قتل واحد منهم - قال حجة الإسلام الغزالي - أفضل من قتل مائة كافر، وعلى هذا تكون الآية من مؤيدات القول بالتسبيح القالي للجمادات ونحوها، وعلى الاحتمال الأول يؤيد القول بجواز شهادة الشاهد إذا حصل عنده العلم الذي يقطع به بأي وجه حصل وإن لم يشهد ذلك ولا حضره. وقد أفاد الشيخ الأكبر
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»