النار من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير، ومنه رجل ماجد أي مفضال، واختار بعضهم حمل الشجر الأخضر على الجنس وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا وأكثر نارا كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار.
* (فإذا أنتم منه توقدون) * كالتأكيد لما قبله والتحقيق له أي فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون النار لا تشكون في أنها نار حقيقة تخرج منه وليست كنار الحباحب، وأشار سبحانه بقوله تعالى: * (الذي) * الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته فإن الماء بارد رطب والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى، ثم إن هذه النار يخلقها الله تعالى عند سحق إحدى الشجرتين على الأخرى لا أن هناك نارا كامنة تخرج بالسحق و * (من الشجر) * لا يصلح دليلا لذلك، وفي كل شجر نار من مسامحات العرب فلا تغفل، وإياك واعتقاد الكمون. [بم وقوله تعالى:
* (أوليس الذى خلق السماوات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) *.
* (أوليس الذي خلق السموات والأرض) * الخ استئناف مسوق من جهته تعالى لتحقيق مضمون الجواب الذي أمر صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم به ويلزمهم الحجة، والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشأها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما * (بقادر على أن يخلق مثلهم) * في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما على أن المراد بمثلهم هم وأمثالهم أو على أن المراد به هم أنفسهم بطريق الكناية كما في مثلك يفعل كذا، وقال بعضهم: مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، وزعم جماعة من المفسرين عود ضمير * (مثلهم) * للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان ضمير العقلاء تغليبا والمقصود بالكلام دفع توهم قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته وهو تكلف ومخالف للظاهر والمشركون لا يقولون بقدم العالم فيما يظهر. وتعقب أيضا بأن قدم العام لو فرض مع قدم النوع الإنساني وعدم تناهي أفراده في جانب المبدأ لا يأبى الحشر الجسماني إذ هو بالنسبة إلى المكلفين وهم متناهون. وزعم أن ما ثبت قدمه استحال عدم غير تام كما قرر في محله فلا تغفل، وقرأ الجحدري. وابن أبي إسحاق. والأعرج. وسلام. ويعقوب في رواية * (يقدر) * بفتح الياء وسكون القاف فعلا مضارعا.
* (بلى) * جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام، وقوله تعالى: * (وهو الخلاق العليم) * عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفا وكما.
وقرأ الحسن. والجحدري. وزيد بن علي. ومالك بن دينار * (الخالق) * بزنة الفاعل.
* (إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) *.
* (إنما أمره) * أي شأنه تعالى شأنه في الإيجاد، وجوز فيه أن يراد الأمر القولي فيوافق قوله تعالى: * (إنما قولنا لشيء) * ويراد به القول النافذ.
* (إذا أراد شيئا) * أي إيجاد شيء من الأشياء * (أن يقول له كن) * أي أوجد * (فيكون) * أي فهو يكون ويوجد، والظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام والخصام، وقيل ليس هناك قول لفظي لئلا يلزم التسلسل، ويجوز أن يكون