فيجتنبوا ما يوقعهم فيه، وخص بعضهم العباد بالمؤمنين لأنهم المنفعون بالتخويف وعمم آخرون.
وكذا في قوله سبحانه: * (يا عباد فاتقون) * ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، ويختلف المراد بالأمر على الوجهين كما لا يخفى، وهذه عظة من الله جل جلاله وعم نواله منطوية على غاية اللطف والرحمة. وقرىء * (يا عبادي) * بالياء.
* (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد) *.
* (والذين اجتنبوا الطاغوت) * الخ قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله. زيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان، وأبي ذر. وقال ابن إسحاق: أشير بها إلى عبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد. والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاءوه وقالوا: أسلمت قال نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة، والطاغوت فعلوت من الطغيان كما قالوا لا فاعول كما قيل بتقديم اللام على العين نحو صاعقة وصاقعة، ويدل على ذلك الاشتقاق وأن طوغ وطيغ مهملان.
وأصله طغيوت أو طغووت من الياء أو الواو لأن طغى يطغى ويطغو كلاهما ثابتان في العربية نقله الجوهري، ونقل أن الطغيان والطغوان بمعنى وكذا الراغب، وجمعه على الطواغيت يدل على أن الجمع بني على الواو، وقولهم: من الطغيان لا يريدون به خصوص الياء بل أرادوا المعنى وهو على ما في " الصحاح " الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال، وقال الراغب: هو عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله تعالى وسمي به الساحر والكاهن والمارد من الجن والصارف عن الخير ويستعمل في الواحد والجمع.
وقال الزمخشري في هذه السورة: لا يطلق على غير الشيطان، وذكر أن فيه مبالغات من حيث البناء فإن صيغة فعلوت للمبالغة ولذا قالوا الرحموت الرحمة الواسعة، ومن حيث التسمية بالمصدر، ومن حيث القلب فإنه للاختصاص كما في الجاه، وقد أطلقه في النساء على كعب بن الأشرف وقال: سمي طاغوتا لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على التشبيه بالشيطان فلعله أراد لا يطلق على غير الشيطان على الحقيقة، وكأنه جعل كعبا على الأول من الوجهين من شياطين الإنس، وفي " الكشف " كأنه لما رآه مصدرا في الأصل منقولا إلى العين كثير الاستعمال في الشيطان حكم بأنه حقيقة فيه بعد النقل مجاز في الباقي لظهور العلاقة إما استعارة وإما نظر إلى تناسب المعنى، والذي يغلب على الظن أن الطاغوت في الأصل مصدر نقل إلى البالغ الغاية في الطغيان وتجاوز الحد، واستعماله في فرد من هذا المفهوم العام شيطانا كان أو غيره يكون حقيقة ويكون مجازا على ما قرروا في استعمال العام في فرد من أفراده كاستعمال الإنسان في زيد، وشيوعه في الشيطان ليس إلا لكونه رأس الطاغين، وفسره هنا بالشيطان مجاهد، ويجوز تفسيرها بالشياطين جمعا على ما سمعت عن الراغب ويؤيده قراءة الحسن * (اجتنبوا الطواغيت) * * (أن يعبدوها) * بدل اشتمال من الطاغوت وعبادة غير الله تعالى عبادة للشيطان إذ هو الآمر بها والمزين لها، وإذا فسر الطاغوت بالأصنام فالأمر ظاهر * (وأنابوا إلى الله) * وأقبلوا إليه سبحانه معرضين عما سواه إقبالا كليا * (لهم البشرى) * بالثواب من الله تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك.
* (فبشر عباد) *.
* (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أولو الالباب) *.
* (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * مدح لهم بأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذلك المباح والندب.