ليس المراد بالإمساك إمساك من سبق نكاحه فقط لعموم من تشاء وقوله سبحانه: * (تؤوي) * ليس مقيدا بمنهن كذا قال الخفاجي: وفي القلب منه شيء ولا بد على القول بأن النسخ بذلك من القول بتأخر نزوله عن نزول الآية المنسوخة إذ لا يمكن النسخ مع التقدم وهو ظاهر ولا يعكر التقدم في المصحف لأن ترتيبه ليس على حسب النزول وقال بعضهم: إن الناسخ السنة ويغلب على الظن أنها كانت فعله عليه الصلاة والسلام.
أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد أنه قال: في قوله تعالى: * (ولا أن تبدل) * الخ ذلك لو طلقهن لم يحل له أن يستبدل وقد كان ينكح بعدما نزلت هذه الآية ما شاء ونزلت وتحته تسع نسوة ثم تزوج بعد أم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحرث رضي الله تعالى عنهما، والظاهر على القول بأن الآية نزلت كرامة للمختارات وتطييبا لخواطرهن وشكرا لحسن صنيعهن عدم النسخ والله تعالى أعلم، وقوله: * (إلا ما ملكت يمينك) * استثناء من النساء متصل بناء على أصل اللغة لتناوله عليه الحرائر والإماء ومنقطع بناء على العرف لاختصاصه فيه بالحرائر ولا أن تبدل بهن من أزواج كالصريح فيه.
وقال ابن عطية: إن ما إن كانت موصولة واقعة على الجنس فهو استثناء من الجنس مختار فيه الرفع على البدل من النساء ويجوز النصب على الاستثناء وإن كانت مصدرية فهي في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول انتهى، وليس بجيد لأنه قال والتقدير إلا ملك اليمين وملك بمعنى مملوك فإذا كان بمعنى مملوك لم يصح الجزم بأنه ليس من الجنس وأيضا لا يتحتم النصب وإن فرضنا أنه من غير الجنس حقيقة بل أهل الحجاز ينصبون وبنو تميم يبدلون وأيا ما كان فالظاهر حل المملوكة له صلى الله عليه وسلم سواء كانت مما أفاء الله تعالى عليه أم لا: * (وكان الله على كل شيء رقيبا) * أي راقبا أو مراقبا والمراد كان حافظا ومطلعا على كل شيء فاحذروا تجاوز حدوده سبحانه وتخطى حلاله إلى حرامه عز وجل.
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسالوهن من ورآء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) * شروع في بيان بعض الحقوق على الناس المتعلقة به صلى الله عليه وسلم وهو عند نسائه، والحقوق المتعلقة بهن رضي الله تعالى عنهن ومناسبة ذلك لما تقدم ظاهرة، والآية عند الأكثرين نزلت يوم تزوج عليه الصلاة والسلام زينت بنت جحش.
أخرج الإمام أحمد. وعبد بن حميد. والبخاري. ومسلم. والنسائي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في سننه من طرق عن أنس قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم أنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) * الآية والنهي للتحريم، وقوله سبحانه: * (إلا أن يؤذن) * بتقدير باء المصاحبة استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا حال كونكم مصحوبين بالإذن.
وجوز أبو حيان كونه بتقدير باء السببية فيكون الاستثناء من أعم الأسباب أي لا تدخلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الإذن، وذهب الزمخشري إلى أنه استثناء من أعم الأوقات أي لا تدخلوها في وقت من الأوقات إلا وقت أن يؤذن لكم، وأورد عليه أبو حيان أن الوقوع موقع الظرف مختص بالمصدر الصريح دون