تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٦٤
ما في القلوب في شأن ما دبر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في أمر أزواجه ونفي الخواطر الرديئة بأن يظن أن ذاك هو الذي تقتضيه الحكمة وأنه دليل على كمال المحبوبية، ولا يتوهم خلافه فإن بعض الملحدين طعنوا كالنصارى في كثرة تزوجه عليه الصلاة والسلام وكونه في أمر النساء على حال لم يبح لأمته من حل جمع ما فوق الأربع وعدم التقيد بالقسم لهن مثلا وزعموا أن في ذلك دليلا على غلبة القوة الشهوية فيه عليه الصلاة والسلام وذلك مناف لتقديس النفس الذي هو من شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجزموا والعياذ بالله تعالى بنفي نبوته وأن ما فعله صلى الله عليه وسلم لم يكن منه تعالى بل ليس ذلك إلا منه عليه الصلاة والسلام.
ولا يخفى أن قائلي ذلك على كفرهم جهلة بمراتب الكمال صم عن سماع آثاره عليه الصلاة والسلام ومن سبر الأخبار علم أنه صلى الله عليه وسلم أكمل الأنبياء على الإطلاق لغاية كمال بشريته وملكيته وآثار الكمال الأول تزوج ما فوق الأربع والطواف عليهن كلهن في الليلة الواحدة وآثار الكمال الثاني أنه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما كان يبيت ويصبح لا يأكل ولا يشرب وهو على غاية من القوة وعدم الاكتراث بترك ذلك وليس لأحد من الأنبياء عليهم السلام اجتماع هذين الكمالين حسب اجتماعهما فيه عليه الصلاة والسلام ولتكثره النساء حكمة دينية جليلة أيضا وهي نشر أحكام شرعية لا تكاد تعلم إلا بواسطتهن مع تشييد أمر نبوته فإن النساء لا يكدن يحفظن سرا وهن أعلم الناس بخفايا أزواجهن فلو وقف نساؤه عليه الصلاة والسلام على أمر خفي منه يخل بمنصب النبوة لأظهرنه، وكيف يتصور إخفاؤه بينهن مع كثرتهن. وكل سر جاوز الاثنين شاع وفي عدم إيجاب القسم عليه عليه الصلاة والسلام تأكيد لذلك كما لا يخفى على المنصف * (وكان الله عليما) * مبالغا في العلم فيعلم كل ما يبدي ويخفي * (حليما) * مبالغا في الحلم فلا يعجل سبحانه بمقابلة من يفعل خلاف ما يحب حسبما يقتضيه فعله من عتاب أو عقاب أو فيصفح عما يغلب على القلب من الميول ونحوها، هذا وفي " البحر " اتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعدل بين أزواجه المطهرات في القسمة حتى مات ولم يستعمل شيئا مما أبيح له ضبطا لنفسه وأخذا فالأفضل غير ما جرى لسودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب أنه قال لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهن شيئا ولا عزله بعد ما خيرن فاخترنه.
وأخرج الشيخان. وأبو داود. والنسائي. وغيرهم عن عائشة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية * (ترجى من تشاء منهن) * فقيل لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له إن كان ذاك إلي فإني لا أريد أن أوثر عليك أحدا فتأمله مع حكاية الاتفاق السابق والله تعالى الموفق.
* (لا يحل لك النسآء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شىء رقيبا) *.
* (لا يحل لك النساء) * بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وقد وقع بفصل أيضا، والمرادب النساء الجنس الشامل للواحدة ولم يؤت بمفرد لأنه لا مفرد له من لفظه والمرأة شاملة للجارية وليست بمرادة، واختصاص النساء بالحرائر بحكم العرف، وقرأ البصريان بالتاء الفوقية، وسهل. وأبو حاتم يخير فيهما، وأيا كان ما كان فالمراد يحرم عليك نكاح النساء * (من بعد) * قيل أي من بعد التسع اللاتي في عصمتك اليوم، أخرج ابن سعد عن عكرمة قال: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه اخترنه فأنزل الله تعالى لا يحل لك النساء من بعد هؤلاء التسع اللاتي
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»