اخترنك أي لقد حرم عليك تزويج غيرهن؛ وأخرج أبو داود في ناسخه. وابن مردويه. والبيهقي في سننه عن أنس قال لما خيرهن فاخترن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قصره عليهن فقال سبحانه: * (لا يحل لك النساء من بعد) * وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في الآية حبسه الله تعالى عليهن كما حبسهن عليه عليه الصلاة والسلام، وقدر بعضهم المضاف إليه المحذوف اختيارا أي من بعد اختيارهن الله تعالى ورسوله.
وقال الإمام: هو أولى وكأن ذلك لكونه أدل على أن التحريم كان كرامة لهن وشكرا على حسن صنيعهن. وجوز أخر أن يكون التقدير من بعد اليوم وماله تحريم من عدا اللاتي اخترنه عليه الصلاة والسلام.
وحكى في " البحر " عن ابن عباس وقتادة قال: لما خيرن فاخترن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم جازاهن أن حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن ونسح سبحانه بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء، وحكى أيضا عن مجاهد وابن جبير أن المعنى من بعد إباحة النساء على العموم، وقيل التقدير من بعد التسع على معنى أن هذا العدد مع قطع النظر عن خصوصية المعدود نصابه صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته منهن فالمعنى لا يحل لك الزيادة على التسع * (ولا أن تبدل) * أصله تتبدل فخفف بحذف إحدى التاءين أي ولا يحل لك أن تستبدل * (بهن من أزواج) * بأن تطلق واحدة منهن وتنكح بدلها أخرى، ففي الآية حكمان حرمة الزيادة وحرمة الاستبدال، وظاهره أنه يحل له عليه الصلاة والسلام نكاح امرأة أخرى على تقدير أن تموت واحدة من التسع، وإذا كان المراد من الآية تحريم من عدا اللاتي اخترنه عليه الصلاة والسلام أفادت الآية أنه لو ماتت واحدة منهن لم يحل له نكاح أخرى، وكلام ابن عباس السابق ظاهر في ذلك جدا، وكأن قوله تعالى: * (ولا أن تبدل) * الخ عليه لدفع توهم أن المحرم ليس إلا أن يرعهن صلى الله عليه وسلم بواحدة من الضرائر.
وفي رواية أخرى عن عكرمة أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هؤلاء اللاتي سمى الله تعالى لك في قوله سبحانه: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) * (الأحزاب: 50) الآية فلا يحل له صلى الله عليه وسلم ما وراء الأجناس الأربعة كالأعرابيات والغرائب ويحل له منها ما شاء، وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وغيرهما عن ابن عباس ما هو ظاهر في ذلك حيث قال في الخبر وقال تعالى: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك) * إلى قوله سبحانه: * (خالصة لك) * وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند. وابن جرير. وابن المنذر. والضياء في المختارة. وغيرهم عن زياد قال: قلت لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أرأيت لو أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام متن أما يحل له أن يتزوج قال: وما يمنعه من ذلك قلت: قوله تعالى: * (لا يحل لك النساء من بعد) * فقال: إنما أحل له ضربا من النساء ووصف له صفة فقال سبحانه يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة) * (الأحزاب: 50) الخ ثم قال تبارك وتعالى لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة، وعلى هذا القول قال الطيبي: يكون قوله سبحانه: * (ولا أن تبدل) * الخ تأكيدا لما قبله من تحريم غير ما نص عليه من الأجناس الأربعة وكأن ضمير بهن للأجناس المذكورة في قوله تعالى: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) * (الأحزاب: 50) الآية والمعنى لا يحل لك أن تترك هذه الأجناس وتعدل عنها إلى أجناس غيرها، وقال شيخ الإسلام أبو السعود عليه الرحمة بعد ما حكى القول المذكور يأباه قوله تعالى: * (ولا أن تبدل بهن) * الخ فإن معنى إحلال الأجناس المذكورة إحلال