لإطلاقهما يتناولان ما في التفسيرين وما ذكر فيهما فإنما هو من باب التمثيل ولا يخلو عن حسن، وفي رواية عن الحسن أن ضمير * (منهن) * لنساء الأمة والمعنى تترك نكاح من تشاء من نساء أمتك فلا تنكح وتنكح منهن من تشاء.
وقال: كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره أن يخطبها حتى يتركها وعن زيد بن أسلم والطبري أنه للواهبات أنفسهن أي تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء منهن فلا تقبلها، وعن الشعبي ما يقتضيه، فقد أخرج ابن سعد والبيهقي في " السنن " وغيرهما عنه قال: كن نساء وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهم فلم يقربن حتى توفي عليه الصلاة والسلام ولم ينكحن بعده، منهن أم شريك فذلك قوله تعالى: * (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * ويشهد لما تقدم من رجوعه إلى النساء ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن أبي رزين قال: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائه فلما رأين ذلك أتينه فقلن لا تخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت فأنزل الله تعالى الآية فأرجأ منهن نسوة وكان ممن أرجأ ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب رضي الله تعالى عنهن أجمعين. وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وابن عامر. وأبو بكر * (ترجىء) * بالهمزة وهو عند الزجاج أجود والمعنى واحد * (ومن ابتغيت) * أي طلبت * (ممن عزلت) * أي تجنبت وحمل هذا التجنب على ما كان بطلاق، ومن شرطية منصوبة بما بعدها، وقوله تعالى: * (فلا جناح عليك) * جوابها أي من طلبتها ممن طلقت فليس عليك إثم في طلبها أو موصولة والجملة خبرها أي والتي طلبتها لا جناح عليك في طلبها والمراد نفي أن يكون عليه عليه الصلاة والسلام إثم في إرجاع المطلقة، وقيل من موصولة معطوفة على * (من تشاء) * الثاني والمراد به غير المطلقة ومعنى فلا جناح عليك فلا إثم عليك في شيء مما ذكر من الإرجاء والإيواء والابتغاء والمراد تفويض ذلك إلى مشيئته صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: المراد به ما كان بترك مضاجعة بدون طلاق، والمقصود من الآية بيان أن له صلى الله عليه وسلم ترك مضاجعة من شاء من نسائه ومضاجعة من شاء منهن أي ممن لم يكن أرجأها وترك مضاجعتها والرجوع إلى مضاجعة من ترك مضاجعتها واعتزالها فمن عزل هي المرجأة، وأفاد صاحب الكشاف أن الآية متضمنة قسمة جامعة لما هو الفرض لأنه صلى الله عليه وسلم إما أن يطلق وأما أن يمسك وإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فإما أن يخلي المعزولة لا يبتيغها أو يبتغيها وانفهام الطلاق والإمساك بأقسامه بواسطة إطلاق الإرجاء والإيواء في قوله تعالى: * (ترجى من تشاء منهن وتؤوى) * وانفهام ابتغاء المعزولة من قوله سبحانه: * (ومن ابتغيت) * الخ ومتى فهم أن لا جناح في ابتغاء المعزولة بالطلاق وردها إلى النكاح فهم منه أن رفع النكاح في عدم ردها من طريق الأولى ولقد أجاد فيما أفاد، وجوز بعضهم أن يكون من مبتدأ وفي الكلام معطوف وخبر محذوفان أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن لم تعزل سواء، وقوله سبحانه: * (فلا جناح عليك) * تأكيد لذلك ولا يخفى بعده وتعسفه، وقال الحسن: معنى - ومن ابتغيت - الخ من مات من نسائك اللواتي عندك أو خليت سبيلها فلا جناح عليك في أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك كذا في " البحر "، وكأنه جعل من للبدل كالتي في قوله تعالى: * (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) * ومن عزلت شاملا لمن ماتت ومن طلقت وكلاهما بعيد وثانيهما: