فأرض الله تعالى واسعة، نعم إن كان له عذر غير ذلك كالعمى والحبس وتخويف المخالف له بقتله أو قتل ولده أو أبيه أو أمه على أي وجه كان القتل تخويفا يظن معه وقوع ما خوف به جاز له السكنى والموافقة بقدر الضرورة ووجب عليه السعي في الحيلة للخروج وإن لم يكن التخويف كذلك كالتخويف بفوات المنفعة أو أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب القليل الغير المهلك لا يجوز له الموافقة وإن ترتب على ذلك موته كان شهيدا، وأما الثاني: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية.
وقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه فيه فقال بعضم: تجب الهجرة لوجوب حفظ المال والعرض.
وقال جمع: لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية ولا يعود بتركها نقصان في الدين إذ العدو المؤمن كيفما كان لا يتعرض لعدوه الضعيف المؤمن مثله بالسوء من حيث هو مؤمن.
وقال بعض الأجلة على طريق المحاكمة: الحق أن الهجرة ههنا قد تجب أيضا وذلك إذا خاف هلاك نفسه أو أقاربه أو الإفراط في هتك حرمته، وقال إنها مع وجوبها ليست عبادة إذ التحقيق أنه ليس كل واجب عبادة يثاب عليها فإن الأكل عند شدة المجاعة والاحتراز عن المضرات المعلومة أو المظنونة في المرض وعن تناول السمومات في حال الصحة وما أشبه ذلك أمور واجبة ولا يثاب فاعلها عليها اه، وفيه بحث وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من زبر العلماء الأعلام، ولعل لنا عودة إن شاء الله تعالى لذكر شيء من ذلك والله تعالى الهادي لسلوك أقوم المسالك. بقى لنا فيما يتعلق بالآية شيء وهو ما قيل: إنه سبحانه وصف المرسلين الخالين عليهم الصلاة والسلام بأنهم لا يخشون أحدا إلا الله وقد أخبر عز وجل عن موسى عليه السلام بأنه قال: * (إننا نخاف أن يفرط علينا) * (طه: 45) وهل خوف ذلك إلا خشية غير الله تعالى فما وجه الجمع؟ قلت: أجيب بأن الخشية أخص من الخوف.
قال الراغب: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وذكر في ذلك عدة آيات منها هذه الآية، ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام فقد يجتمع مع إثباته، وهذا أولى مما قيل في الجواب من أن الخشية أخص من الخوص لأنها الخوف الشديد والمنفي في الآية ههنا هو ذلك لا مطلق الخوف المثبت فيما حكى عن موسى عليه السلام، وأجاب آخر بأن المراد بالخشية المنفية الخوف الذي يحدث بعد الفكر والنظر وليس من العوارض الطبيعية البشرية، والخوف المثبت هو الخوف العارض بحسب البشرية بادي الرأي وكم قد عرض مثله لموسى عليه السلام ولغيره من إخوانه وهو مما لا نقص فيه كما لا يخفى على كامل؛ وهو جواب حسن، وقيل: إن موسى عليه السلام ولغيره من إخوانه وهو مما لا نقص فيه كما لا يخفى على كامل؛ وهو جواب حسن، وقيل: إن موسى عليه السلام إنما خاف أن يعجل فرعون عليه بما يحول بينه وبين اتمام الدعوة وإظهار المعجزة فلا يحصل المقصود من البعثة فهو خوف لله عز وجل، والمراد بما نفى عن المرسلين هو الخوف عنه سبحانه بمعنى أن يخاف غيره جل وعلا فيخل بطاعته أو يقدم على معصيته وأين هذا من ذاك فتأمل تولى الله تعالى هداك.
* (ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ولاكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليما) *.
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * رد لمنشأ خشيته صلى الله عليه وسلم الناس المعاتب عليها بقوله تعالى: * (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * (الأحزاب: 37) وهو قولهم: إن محمدا عليه الصلاة والسلام تزوج زوجة ابنه زيد بنفي كون زيد ابنه الذي يحرم نكاح زوجته عليه الصلاة والسلام على أبلغ وجه كما ستعرفه قريبا