صدر عنه عليه الصلاة والسلام من إظهار خلاف ما في ضميره الشريف إذ هو إنما يقع عند الاستحياء والاحتشام وكلاهما مما لا يتصور في حق زيد رضي الله تعالى عنه، وجوز أن يكون بيانا لحكمة اخفاء صلى الله عليه وسلم ما أخفاه لأن مثل ذلك مع مثله مما يطعن به الناس كما قيل:
وأظلم خلق الله من بات حاسدا * لمن كان في نعمائه يتقلب * (أمسك عليك زوجك) * أي زينب بنت جحش وذلك أنها كانت ذا حدة ولا زالت تفخر على زيد بشرفها ويسمع منها ما يكره فجاء رضي الله تعالى عنه يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن زينب قد اشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له عليه الصلاة والسلام: * (أمسك عليك زوجك) * * (واتق الله) * في أمرها ولا تطلقها ضرارا وتعللا بتكبرها واستداد لسانها عليك، وتعدية * (أمسك) * بعلى لتضمينه معنى الحبس.
* (وتخفى في نفسك ما الله مبديه) * عطف على * (تقول) * وجوزت الحالية بتقدير وأنت تخفى أو بدونه كما هو ظاهر كلام الزمخشري في مواضع من كشافه، والمراد بالموصول على ما أخرج الحكيم الترمذي وغيره عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ما أوحى الله تعالى به إليه أن زينب سيطلقها زيد ويتزوجها بعد عليه الصلاة والسلام وإلى هذا ذهب أهل التحقيق من المفسرين كالزهري. وبكر بن العلاء. والقشيري. والقاضي أبي بكر بن العربي. وغيرهم * (وتخشى الناس) * تخاف من اعتراضهم وقيل: أي تستحي من قولهم: إن محمدا صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، والمراد بالناس الجنس والمنافقون وهذا عطف على ما تقدم أو حال.
وقوله: * (والله أحق أن تخشيه) * في موضع الحال لا غير، والمعنى والله تعالى وحده أحق أن تخشاه في كل أمر فتفعل ما أباحه سبحانه لك واذن لك فيه، والعتاب عند من سمعت على قوله عليه الصلاة والسلام ذلك مع * (أمسك) * مع علمه بأنه سيطلقها ويتزوجها هو صلى الله عليه وسلم بعده وهو عتاب على ترك الأولى.
وكان الأولى في مثل ذلك أن يصمت عليه الصلاة والسلام أو يفوض الأمر إلى رأي زيد رضي الله تعالى عنه.
وأخرج جماعة عن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفى إرادة طلاقها ويخشى قالة الناس إن أمره بطلاقها وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: * (أمسك عليك زوجك واتق الله) * وهو يحب طلاقها، والعتاب عليه على ظهار ما ينافي الاضمار، وقد رد ذلك القاضي عياض في الشفاء وقال: لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأنه يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكره جماعة من المفسرين إلى آخر ما قال.
وذكر بعضهم أن إرادته صلى الله عليه وسلم طلاقها وحبه إياه كان مجرد خطوره بباله الشريف بعد العلم بأنه يريد مفارقتها، وليس هناك حسد منه عليه الصلاة والسلام وحاشاه له عليها فلا محذور، والاسم ما ذكرناه عن زيد العابدين رضي الله تعالى عنه. والجمهور، وحاصل العتاب لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه مبدى ما أخفاه عليه الصلاة والسلام ولم يظهر غير تزويجها منه فقال سبحانه: * (زوجناكها) * فلو كان المضمر محبتها وإرادة طلاقها ونحو ذلك لأظهره جل وعلا، وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول.
منه ما أخرجه ابن سعد. والحاكم عن محمد بن يحيى بن حبان أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى بيت زيد فلم يجده وعرضت