تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٨
الجاريين مجرى الواحد للمسارعة إلى تقرير نفي الحرج وتحقيقه.
* (الذين يبلغون رسال‍ات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) *.
* (الذين يبلغون رسالات الله) * صفة للذين خلوا أو هو في محل رفع أو نصب على إضمارهم أو على المدح.
وقرأ عبد الله * (بلغوا) * فعلا ماضيا، وقرأ أبي * (رسالة) * على التوحيد لجعل الرسالات المتعددة لاتفاقها في الأصول وكونها من الله تعالى بمنزلة شيء واحد وإن اختلفت أحكامها * (ويخشونه) * أي يخافونه تعالى في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في أمر تبليغ الرسالة * (ولا يخشون أحدا إلا الله) * في وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعالى تعريض بما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من الاحتراز عن لائمة الناس من حيث أن إخوانه المرسلين لم تكن سيرتهم التي ينبغي الاقتداء بها ذلك، وهذا كالتأكيد لماتقدم من التصريح في قوله سبحانه: * (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * (الأحزاب: 37) وتوهم بعضهم أن منشأ التعريض توصيف الأنبياء بتبليغ الرسالات وحمل الخشية على الخشية في أمر التبليغ لوقوعها في سياقه وفيه ما لا يخفى * (وكفى بالله حسيبا) * أي كافيا للمخاوف أو محاسبا على الكبائر والصغائر من أفعال القلب والجوارح فلا ينبغي أن يخشى غيره، والإظهار في مقام الإضمار لما في هذا الاسم الجليل ما ليس في الضمير، واستدل بالآية على عدم جواز التقية على الأنبياء عليهم السلام مطلقا، وخص ذلك بعض الشيعة في تبليغ الرسالة وجعلوا ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في هذه القصة المشار إليه بقوله تعالى: * (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * بناء على أن الخشية فيه بمعنى الخوف لا على أن المراد الاستحياء من قول الناس تزوج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك من التقية الجائزة حيث لم تكن في تبليغ الرسالة، ولا فرق عندهم بين خوف المقالة القبيحة وإساءة الظن وبين خوف المضار في أن كلا يبيح التقية فيما لا يتعلق بالتبليغ، ولهم في التقية كلام طويل وهي لأغراضهم ظل ظليل، والمتتبع لكتب الفرق يعرف أن قد وقع فيها إفراط وتفريط وصواب وتخليط وإن أهل السنة والجماعة قد سلكوا فيها الطريق الوسط وهو الطريق الأسلم الأمين سالكه من الخطأ والغلط، أما الإفراط فللشيعة حيث جوزوا بل أوجبوا على ما حكى عنهم إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وأما التفريط فللخوارج والزيدية حيث لا يجوزون في مقابلة الدين مراعاة العرض وحفظ النفس والمال أصلا، وللخوارج تشديدات عجيبة في هذا الباب، وقد سبوا وطعنوا بريدة الأسلمي أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب أنه رضي الله تعالى عنه كان يحافظ فرسه في صلاته خوفا من أن يهرب.
ومذهب أهل السنة أن التقية وهي محافظة النفس أو العرض أو المال من نحو الأعداء بإظهار محظور ديني مشروعة في الجملة.
وقسموا العدو إلى قسمين: الأول: من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالمسلم والكافر ويلحق به من كانت عداوته لاختلاف المذهب اختلافا يجر إلى تكفير أصحاب أحد المذهبين أصحاب المذهب الآخر كأهل السنة والشيعة، والثاني: من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمرأة " وعلى هذا تكون التقية أيضا قسمين: أما الأول: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين حقيقة أو حكما وقد ذكروا في ذلك أن من يدعي الإيمان إذا وقع في محل لا يمكن أن يظهر دينه وما هو عليه لتعرض المخالفين وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه الى الإظهار ولا يجوز له أن يسكن هنالك ويكتم دينه بعذر الاستضعاف
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»